من قرى البقاع الهادئة، حيث تفوح رائحة الزعتر البري وتتنفس الجبال شموخ أهلها، تنبض أنامل فتاة شابة بالحياة… لا من خلال الكلمات، بل من خلال الخطوط والظلال، عبر وجوه تبوح بحكاياتها في صمت. تلك الفتاة هي زهراء نزهة، ابنة لبنان، ابنة الأرض التي تُنبت فناً كما تُنبت قمحاً وزيتوناً.
زهراء لم تتعلّم الرسم في جامعة، ولا عرفت دروب التصوير في معهد. لكنها عرفت وجه الإنسان جيداً، نظرت فيه بصدق، وقرأت تعابيره كما يقرأ العاشق عيني حبيبته. أمسكت بقلم الرصاص كمن يمسك سرّ العالم، وبدأت ترسم… ترسم كل خط وكل تجعيدة، كل نظرة وكل دمعة معلّقة في محجر العين. لم تحتج إلى مدرّس، بل كانت الطبيعة معلمتها، والحياة مرسمها.
أما الكاميرا، فليست عند زهراء أداة ميكانيكية، بل رفيقة درب. بعدستها، تلتقط ما لا تلتقطه العيون العابرة. تفهم الضوء كأنه نَفَس، وتلاحق الظل كما لو كان ذاكرة باهتة تحاول استعادتها. صورها ليست جامدة، بل ناطقة. فيها ضحكة طفل، ووجع عجوز، وحنين غريب.
ما يُدهشك في زهراء ليس فقط دقّتها في التفاصيل، بل ذاك الإيمان العميق بموهبتها. لم تنتظر اعتراف أحد، بل اعترفت هي بنفسها، وصقلتها بالصبر، بالتمرّن، وبحبّ لا يشبه سواه. موهبتها كانت بذرة، لكنها سقتها بروحها حتى أثمرت فناً يمشي بثقة في دروب الاحتراف.
زهراء نزهة اليوم ليست فقط فنانة بورتريه تدهشك رسومها، ولا مصوّرة توثّق اللحظة بذكاء بصري نادر، بل هي نموذج حيّ لفتاة لبنانية تؤمن أن الإبداع لا يحتاج إلى شهادة، بل إلى قلب يرى، وعين تُحب، ويد تُتقن.
في عالمٍ يركض وراء الشهرة السريعة، تختار زهراء المسار الأصعب: أن تُتقن، أن تُخلِص، أن تترك أثراً. وربما، في يوم قريب، ستُعرض أعمالها في معارض كبرى، وستقف زهراء خلف ابتسامة خجولة، وقلم رصاص بيد، وعدسة في الأخرى، تقول لنا جميعاً: “الفنّ ليس مهنة… هو حياة.”