يُعد الفيلم المصري ” أهل الكهف” من الأعمال السينمائية التي تحاول استلهام قصص دينية وإعادة تقديمها من منظور درامي، حيث يستند إلى المسرحية الفلسفية التي كتبها توفيق الحكيم عام 1933، والتي بدورها تستمد جذورها من القصة القرآنية الواردة في سورة الكهف. إلا أن الحكيم، ومن بعده صُنّاع الفيلم، لم يلتزموا بجوهر القصة القرآنية، بل أعادوا تشكيلها وفق رؤية فكرية وفلسفية خاصة، مما أوقع العمل في دائرة التحريف والتشويه مقارنة بالنص المقدس.
التحريف الفلسفي في مسرحية توفيق الحكيم
عندما كتب توفيق الحكيم مسرحيته أهل الكهف، لم يكن يسعى إلى تقديم القصة كما وردت في القرآن، بل كان يحاول معالجة مفهوم الزمن من خلال رؤيته الفلسفية الخاصة التي تعكس فكرته عن “الزمن التعادلي”، حيث يرى أن الماضي والحاضر والمستقبل قد يكونون دائرة متكررة لا فرق بينها. هذه الفلسفة تتناقض مع جوهر القصة القرآنية، التي تسلط الضوء على الإيمان والمعجزة الإلهية في حفظ الفتية ونومهم لعدة قرون، ليكونوا آية للناس تثبت قدرة الله على إحياء الموتى.
لكن الحكيم أفرغ القصة من مضمونها الديني، وحوّلها إلى طرح فلسفي يناقش صراع الإنسان مع الزمن، فجاءت المسرحية مسخًا باهتًا أمام القصة القرآنية، حيث اختزلت أبعاد الإيمان في مجرد تساؤلات عقلانية عن الزمن، متجاهلة البعد الروحي والمعجزي للقصة.
التشويه السينمائي في فيلم “أهل الكهف”
في النسخة السينمائية، سار الفيلم على نهج المسرحية، حيث لم يكن الهدف نقل القصة القرآنية كما هي، بل تقديم رؤية سينمائية قائمة على التفسير الفلسفي والدرامي. وهنا وقعت عدة مشكلات:
1. تحريف جوهر القصة الأصلية
في القرآن الكريم، خرج واحد فقط من أهل الكهف إلى المدينة لشراء الطعام، وحين اكتشف أهل المدينة أمره، عاد إلى الكهف، ثم أماتهم الله. لكن الفيلم، كما المسرحية، يُغيّر هذا المسار، ويجعل الفتية يخرجون جميعًا، ويواجهون عالمًا جديدًا بشكل غير متسق مع الرواية القرآنية، مما يؤدي إلى تزييف الرسالة الأصلية للقصة.
2. إشكالية الزمن من منظور مادي
القصة القرآنية تحمل بعدًا روحانيًا عميقًا، حيث تُظهر أن الزمن ليس إلا أداة بيد القدرة الإلهية، لكن الفيلم يطرح الزمن كمفهوم فلسفي بحت، مما يجعل القصة تبدو وكأنها مجرد تجربة خيال علمي عن السفر عبر الزمن، بدلاً من كونها معجزة إلهية تهدف إلى إظهار عظمة الخالق.
3. فقدان البعد الإيماني
في الرواية القرآنية، كان الفتية مثالًا على الإيمان والصبر، لكن في الفيلم يتم تقديمهم كشخصيات درامية تتخبط في معضلة الوجود دون إبراز الجانب الإيماني الحقيقي في قصتهم. هذا التحريف يجعل الفيلم أقرب إلى دراما تاريخية خيالية منه إلى عمل مستوحى من قصة قرآنية.
4. البعد الأسطوري على حساب الحقيقة الدينية
حاول الفيلم أن يُضيف لمسات درامية وأسطورية لجذب المشاهد، لكنه بذلك خرج عن نطاق القصة الأصلية، مما قد يُضلل المشاهد غير المطلع، ويجعله يعتقد أن هذه التغييرات جزء من القصة القرآنية، بينما هي في الحقيقة إضافات بشرية لا تمت للحقيقة بصلة.
فيلم أهل الكهف يُعيد تكرار الخطأ الذي وقع فيه توفيق الحكيم عندما حاول معالجة القصة من زاوية فلسفية، متجاهلًا جوهرها الديني. بدلاً من أن يكون العمل وسيلة لإيصال رسالة القرآن الكريم عن الإيمان واليقين، جاء مشوهًا ومُفرغًا من مضمونه الروحي. فالمسرحية والفيلم لم ينجحا في تقديم القصة كما هي، بل قاما بتحريفها لتناسب رؤى فكرية وإنسانية محدودة، فجاءت المحاولة، سواء في المسرح أو السينما، مجرد صورة باهتة أمام عظمة النص القرآني، الذي يظل المصدر الحق للحقيقة المطلقة.
بقلم رئيس التحرير / حسين عباس غزالة