عادت مسرحية “الأمير المجنون” إلى الواجهة الفنية في ليلة استثنائية جمعت بين إرث الراحل “جيرار آفيديسيان” وتميز “رفعت طربيه”، في عرض أقيم على خشبة مسرح “بيريت” بالجامعة اليسوعية في بيروت، تحت إشراف المخرجة “لينا أبيض”.
عرض متجدّد بعد غياب
كانت المسرحية قد عُرضت للمرة الأولى في تشرين الأول/أكتوبر 2019 بإخراج آفيديسيان، لكن الظروف الأمنية التي مرت بها العاصمة اللبنانية أوقفتها. اليوم، تعود العملية الفنية إلى مسارها، حاملةً ذات الرؤية الإخراجية مع لمسات جديدة أضافتها المخرجة لينا أبيض، لتقديم تجربة مسرحية عميقة وجريئة.
بداية مؤثرة
افتُتح الحفل بدقيقة صمت إجلالاً لروح الفنان الراحل أنطوان كرباج، وسط حضور لافت ضمّ شخصيات ثقافية وسياسية بارزة، بينها سحر بعاصيري (عقيلة رئيس الوزراء السابق)، ووزير الثقافة الدكتور غسان سلامة، والفنانين مرسيل خليفة، شربل روحانا، فايق حميصي، والمخرج المسرحي مشهور مصطفى، بالإضافة إلى عدد من النواب والوجوه الفاعلة في المشهد الثقافي.
هاملت بلغة معاصرة
يُجسّد رفعت طربيه شخصية “الأمير المجنون” (هاملت) في عرض مسرحي مكثّف، يعتمد على “المونولوج” كأداة رئيسية لسرد الصراع الداخلي للشخصية بين الرغبة في الثأر لوالده والاشمئزاز من خيانة أمه. يظهر طربيه في بداية العرض بملابس بيضاء مغطاة بالدماء، في مشهد يعكس جراح الماضي وثقل الانتقام.
تعتمد المخرجة “لينا أبيض” على تقنيات بصرية مبتكرة، منها تقسيم وجه البطل إلى نصفين: أحدهما يعكس الملامح الإنسانية، والآخر يكشف عن الجمجمة، في رمزية قوية للصراع بين العقل والعاطفة، بين الحياة والموت.
أداء استثنائي
يقدّم رفعت طربيه أداءً مكثفاً يعكس خبرته الطويلة في المسرح، حيث يمتزج الغضب بالألم، والعزيمة بالضعف، في تجسيد درامي لشخصية هاملت. من خلال حواراته الذاتية الحادة، ينقل طربيه المشاعر المضطربة لشخصية تقف على حافة الهاوية، بين الجنون والعبقرية، بين الرغبة في العدالة والرغبة في الانتقام.
إرث آفيديسيان: الفن فوق الألقاب
يُذكر أن الراحل جيرار آفيديسيان كان يرفض أن يُنادى بلقب “دكتور”، معتبراً أن الفن لا يحتاج إلى ألقاب، بل إلى إخلاص ورؤية. هذه الفلسفة تنعكس في عمله، حيث يقدّم المسرح كفنٍّ خالص، بعيداً عن التكلف أو الزيف.
نهاية تراجيدية
يختتم العرض بمشهد درامي مثير، حيث ينهار هاملت (طربيه) بعد تحقيق ثأره، في نهاية تراجيدية تليق بأحد أعظم النصوص المسرحية في التاريخ.
عودة قوية للمسرح الجاد
“الأمير المجنون” ليس مجرد عرض مسرحي، بل تأكيد على عودة “المسرح الجاد” الذي يجمع بين العمق الفكري والإتقان الفني. تُحسب للمخرجة لينا أبيض نجاحها في إحياء رؤية آفيديسيان بأسلوب معاصر، بينما يثبت رفعت طربيه مرة أخرى مكانته كواحد من أبرز الممثلين القادرين على حمل أدوار معقدة ومكثفة.
هذا العمل يُعدّ إضافة نوعية للمشهد الثقافي العربي، وتذكيراً بقدرة الفن على مواجهة تعقيدات الواقع وتقديم رؤى إنسانية عميقة.
فريق التحرير