مع بداية الصيف، حيث تزدهر المعارض الجماعية في وجه الحراك الفردي للفنانين داخل محترفاتهم، استضاف غاليري “آرت ديستريكت – الجميزة” في بيروت معرضاً فنياً جامعاً تحت عنوان “أنسجة تعبيرية” (Textures of Expression). المعرض ضم 10 فنانين وفنانات من خلفيات متعددة، تلاقت أعمالهم على أرضية واحدة، لتجسّد تنوعاً في الرؤية والوسيط، وشكّلت بانوراما غنية من التجارب التشكيلية والتصويرية والنحتية.
التصوير الفوتوغرافي: رسم بالضوء وتكوين بالذاكرة
جناح التصوير الفوتوغرافي حمل شعارًا رمزيًا: “التصوير رسم بالضوء”، وضمّ ثلاثة مصوّرين، كان لكل منهم بصمته المتميزة:
- خضر شري، الأميركي-اللبناني، خريج الجامعة اللبنانية ومعهد بروكس للتصوير في كاليفورنيا، قدّم أعمالًا عالية الدقة، أبرزها تركيبته “السماء”، وصور بعنوان “راحة”، “تحت الماء”، و”ساعٍ للخلود”، حيث زاوج بين الورق المعدني والتكوين التصويري.
- ماهر عطار، مؤسس الغاليري، الآتي من خلفية التصوير الصحفي العالمي، والمكرّم بجوائز عن تغطيته للحروب، شارك بستّ لوحات بالأبيض والأسود على القماش، منها: “حمامة السلام”، “امرأة في مكان مهجور”، و”ابنة الحلم”. يُذكر أن عطار أسس عقب انفجار مرفأ بيروت عام 2020 أول معرض دائم للتصوير الفوتوغرافي في الجميزة.
- دانيال أساتر، المولود في بيروت، استلهم شغفه بالتصوير خلال دراسته العليا في الإخراج الفني بباريس. شارك بثلاث صور تجريدية بالأبيض والأسود، منها “الكسوف” و”إلى الخارج”، مع خلفية متجذّرة في التصميم الغرافيكي.
الرسم التشكيلي: تعبيرات تجريدية وتفاعلات بصرية
أربعة فنانين جسّدوا في جناح الفن التشكيلي أساليب ومقاربات فنية متنوعة:
- أحمد مناويشي (مصر – الإسكندرية): تخرج بمرتبة الشرف من أكاديمية الفنون الجميلة، وقدم تسع لوحات صغيرة من الأكريليك على الخشب دون عناوين، تمزج الأيقونية الكلاسيكية بمواضيع معاصرة، مستلهمة من المصوّر الشهير هيلموت نيوتن.
- رواد غطاس (لبنان): عرض ثلاث لوحات تجريدية بلا عنوان بأسلوب هادئ يمزج بين التعبيرية والتجريد، مستعملاً وسائط متعددة على القماش بألوان ترابية دافئة.
- رنا بلبل (لبنان): مصممة غرافيكية وتشكيليّة، شاركت بلوحة كولاج بعنوان “رغبة غير مثمرة”، تعكس فيها تشابك الخيال مع النقد البصري.
- مابيل فواز (لبنان): خريجة حديثة من كلية الفنون الجميلة، تميل إلى التجريب، وقدمت سلسلة لوحات بعنوان “تأملات قرمزية” بالأكريليك على القماش، بألوان حمراء تميل إلى البني، مستكشفة ثنائيات الحضور والغياب، والسيطرة والصدفة.
النحت: حضور أنثوي وهوية متحركة
ثلاث نحاتات من لبنان وسوريا والعراق قدّمن أعمالاً تتنقل بين الرمز والتجريد، بين الذاكرة والانتماء:
- كارول إنجيا (لبنان): استخدمت شباك الخيطان في عملين بعنوان “اثنان أفضل من واحد” و”ظل مظلة صنوبر”، وسبق أن تناولت في أعمالها مواضيع الطفولة والحب بأسلوب يجمع الكلاسيكية بلمسة بوب.
- ساندرا بطرس (سوريا): مهندسة معمارية وفنانة، عرضت منحوتتين بعنوان “حياة” (برونز) و”سحر” (خشب)، تستكشف فيهما الهوية والانتماء، بتوليفة من الحداثة والتقليد.
- ريم الهاجراني (العراق – السويد): فنانة متعددة الخلفيات، تجسّد عبر منحوتتها “بيوت مهجورة” تجربة الشتات، مستعملة البرونز بطلاء أخضر يميل إلى الزنجار، في سردٍ بصري يتنقّل بين اليمن والسويد وقطر والمملكة المتحدة.
أنسجة تعبيرية: بين الذات والآخر
يحمل المعرض دلالة مزدوجة: فهو ليس فقط ملتقى للفنانين من خلفيات متنوّعة، بل أيضًا مرآة تعكس “أنسجة” من التجارب الشخصية والثقافية والجمالية، نسجت في قاعة واحدة، ضمن لغة فنية تحتفي بالاختلاف، وتفتح آفاقًا جديدة للحوار بين الوسيط والرسالة، بين الهوية والانتماء.
غاليري آرت ديستريكت – الجميزة، بما يتيحه من مساحة حرة للتعبير، لا يقدم مجرد عرض بصري، بل يعيد الفن إلى موقعه الطبيعي: شاهداً وناقداً ومعالِجاً لأسئلة الإنسان في عالم متغير.