في مطلع العقد الثاني من الألفية، اندلع جدل واسع رافق اسم شركة Senomyx، وهي شركة أمريكية للتكنولوجيا الحيوية متخصصة في تطوير مكونات غذائية محسّنة. العنوان المثير للجدل كان: “شركات المشروبات تستخدم خلايا أجنة بشرية في منتجاتها الغذائية”. خبر كهذا كفيل بإشعال الغضب الشعبي والجدل الأخلاقي والديني. لكن، ما حقيقة الأمر؟ وهل وصلت “الأجنة” فعلًا إلى موائد المستهلكين؟
الجذر العلمي للادعاء
المحور الأساسي للجدل يعود إلى خطّ خلوي يُعرف باسم HEK-293.
- الاسم يُختصر من: Human Embryonic Kidney 293.
- استُخدم لأول مرة في السبعينيات، وهو مشتق من خلايا كلوية لجنين واحد تم الحصول عليه من إجهاض قديم.
- ومنذ ذلك الحين، تكاثرت هذه الخلايا في المختبرات حول العالم وأصبحت أداة روتينية في أبحاث علم الأحياء والطب.
استخدام Senomyx لهذه الخلايا لم يكن لإدخالها في الطعام، بل لتعديلها وراثيًا بحيث تعبر عن مستقبلات التذوّق البشرية. الهدف: بناء نظام فحص مخبري يحاكي آلية التذوّق، ما يتيح اختبار آلاف المركبات سريعًا لاختيار ما يعزز أو يخفف نكهات معيّنة (كالسكر أو الملح).
من المختبر إلى عناوين الأخبار
في عام 2010، أعلنت Senomyx عن شراكات استراتيجية مع شركات غذائية كبرى مثل PepsiCo وNestlé. لكن سرعان ما ظهرت حملات مقاطعة تتهم هذه الشركات بأنها “تضع خلايا أجنة في الطعام”.
- مصدر الالتباس كان كلمة Embryonic في اسم خط الخلايا HEK-293.
- منظمات معارضة للإجهاض ضخّمت الرواية، لتتحول من “استخدام أداة بحثية” إلى “مكوّن غذائي”.
وكالة Associated Press نقلت عن FDA (إدارة الغذاء والدواء الأمريكية) أنها “لن توافق إطلاقًا على أي غذاء يحتوي خلايا أو أنسجة جنينية”، وأنها ليست على علم بأي منتج من هذا النوع. وكالات مثل Reuters أكدت أن PepsiCo أنهت تعاونها مع Senomyx ولم تستخدم أيًّا من مكوناتها في المنتجات التجارية.
بين الحقائق والادعاءات
- الحقائق العلمية: HEK-293 أداة معملية قديمة، لا تدخل في أي منتج نهائي، بل تُستخدم لفهم كيفية عمل مستقبلات التذوق.
- الادعاءات الشعبية: الخلط بين وجود الخلايا في “مرحلة البحث” وبين “إضافتها للطعام”.
- الموقف الرسمي: لا توجد أي خلايا بشرية أو جنينية في الأطعمة أو المشروبات المباعة.
الأبعاد الأخلاقية والقانونية
رغم غياب أي دليل على وصول خلايا جنينية إلى الطعام، فإن القضية تثير تساؤلات أخلاقية أوسع:
- أصل الخلايا: هل من المقبول استخدام خطوط خلايا مشتقة من إجهاض قديم في أبحاث غذائية، كما يُستخدم في الأبحاث الطبية واللقاحات؟
- شفافية الشركات: هل كان على Senomyx أو شركائها توضيح استخدام HEK-293 بشكل استباقي لتجنب اللغط؟
- تأثير الدين والقيم المجتمعية: الحساسيات الدينية والأخلاقية حول الإجهاض تجعل أي ارتباط بالخلايا الجنينية مثيرًا للجدل، حتى لو كان الاستخدام تقنيًا بحتًا.
تقييم السلامة
بعيدًا عن الأخلاقيات، فإن مكونات Senomyx نفسها (مُعدّلات الطعم) حصلت على تصنيف GRAS (آمنة عمومًا) من جمعية خبراء النكهات (FEMA)، وأكدت لجان خبراء دولية مثل JECFA (FAO/WHO) أن لا شواغل تتعلق بالسلامة عند المستويات الغذائية المقترحة. أي أن النقاش لم يكن يومًا حول “سلامة المستهلك”، بل حول “أصل الأداة البحثية”.
القصة الاستقصائية حول Senomyx تكشف كيف يمكن لتفصيلة علمية دقيقة استخدام خطّ خلوي في المختبر أن تتحول إلى أزمة إعلامية وسياسية حين تُطرح خارج سياقها.
- علميًا: لا وجود لخلايا أو أنسجة جنينية في أي منتج غذائي نهائي.
- اجتماعيًا وأخلاقيًا: يظل النقاش حول مشروعية استخدام خطوط خلايا مشتقة من أجنّة قديمة قائمًا، خصوصًا في بيئات تعارض الإجهاض.
- سياسيًا: استُخدمت القصة كورقة ضغط لتمرير مشاريع قوانين رمزية في بعض الولايات الأمريكية.
ما بين المختبر والموائد، تظل الحقيقة أن “أجنة في الطعام” كانت وما زالت عنوانًا مثيرًا أكثر من كونها واقعًا.