في الذكرى الثانية،
ما زال وجهك يتقدّم المشهد،
لا كشبحٍ… بل كيقين،
كأنك لم تُدفن،
بل انتقلت إلى الجدار المجاور،
إلى مقعدك الخشبيّ،
إلى طيفك الذي ما زال ينظر إلينا
دون أن يغمض عينيه.
أنا لم أرَك في النعش.
لم ألمس جبينك،
لم أعدّ أنفاسك الأخيرة،
كل ما لديّ عن موتك…
روايات،
وكلمات باردة قيلت لي عبر الهاتف.
كنتُ في سفرٍ يشبه الغياب،
وكنتَ في موتٍ يشبه الخيانة،
فمن نلوم يا أبي؟
أنا الذي تأخرتُ؟
أم الوقت الذي قرر أن يختصرك فجأة؟
صورتك لا تزال تمشي في البيت،
تفتح الأبواب،
تضحك من نسياني،
وتجلس في الزاوية التي هجرتها الحياة
حين غادرت.
أطفالي،
يركضون إلى الفراغ كأنهم يعرفونه،
يسألون عنك!
ويلعبون كما لو أن كتفيك لا تزالان هنا
تنتظران ضحكاتهم.
قل لي، يا أبي،
من سيحملهم الآن فوق غيمتك؟
من سيخترع لهم وطنًا
من قميصٍ قديم،
وعصا تتكئ على الحكايات؟
عامان،
ولا شيء يهدأ.
الترابُ لا يطمئن،
والقلبُ لا يُقفل،
والبيت… ليس بيتًا،
إن لم يُنرْ بنور عينيك.
أنا لا أكتبك رثاءً،
بل أستدعيك كما يُستدعى الغائب الذي لم يُفهم،
الذي غادر دون أن يعلّق وصيّته على المسمار،
والذي ظلّ واقفًا في اللغة
حين سقط في الحياة.
سلامٌ على كتفيك،
التي صارتا سماءً لأطفالي،
وعلى صوتك،
الذي لا يزال يربّي صمتي.