أفاد موقع “والاه” الإسرائيلي بانتحار جندي شارك في العمليات العسكرية في قطاع غزة وجنوب لبنان، بعد معاناة مستمرة من اضطرابات نفسية شديدة. الجندي لم يحصل على جنازة عسكرية، ما أثار جدلًا داخليًا في الأوساط العسكرية والمدنية. تقرير والدة الجندي تضمّن مؤشرات واضحة على تفاقم حالته: نوبات عنف، انهيارات متكررة، وتدهور في السلوك.
أرقام رسمية: 9,000 إصابة نفسية منذ أكتوبر 2023
تقرير نشرته صحيفة هآرتس بيّن أن وزارة الأمن صنّفت نحو 9,000 جندي كمصابين بإعاقات نفسية منذ بدء العمليات العسكرية في غزة في أكتوبر 2023. المؤشرات الإحصائية تؤكد وجود تصاعد في محاولات الانتحار في صفوف الجنود العائدين من الجبهة، وخصوصًا بين من تمّت إعادتهم للخدمة رغم وجود ملفات نفسية مفتوحة مسبقًا.
إعادة تجنيد غير مستندة إلى اعتبارات صحية
وسائل إعلام إسرائيلية كشفت أن المؤسسة العسكرية قامت فعليًا باستدعاء جنود سبق أن تلقوا علاجًا نفسيًا للمشاركة في المهام القتالية، بدافع نقص الكوادر البشرية. تم توثيق حالتين على الأقل لجنود انتحروا بعد إعادتهم للخدمة. المعطيات تشير إلى غياب منظومة تقييم نفسي قبل التجنيد الإضافي، وعدم وجود بروتوكول احترازي فعال.
تحليل نفسي منهجي للوضع
1. اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)
الجنود العائدون من مناطق العمليات يظهرون مؤشرات سريرية متطابقة مع اضطراب ما بعد الصدمة: فلاش باك، كوابيس، ردود فعل حادة، واختلالات سلوكية. نسبة 12% من الجنود العائدين من غزة يُظهرون أعراضًا حادة وفق دراسة من جامعة تل أبيب (2024).
2. الصدمة الأخلاقية (Moral Injury)
عدد من الحالات يوصف سريريًا ضمن فئة “الصدمة الأخلاقية”، حيث تحدث اضطرابات حادة نتيجة مشاركة الجندي في أفعال يُقيّمها لاحقًا على أنها تتعارض مع معتقداته أو صورة الذات. هذا النوع يرتبط بمعدلات انتحار أعلى وفعالية علاجية منخفضة عند غياب الدعم المؤسسي.
3. غياب الدعم المؤسساتي بعد الخدمة
أغلب الحالات المصنفة نفسيًا لا تتلقى متابعة علاجية ممنهجة بعد إنهاء الخدمة أو العودة منها. وحدات الدعم النفسي داخل الجيش تعاني من نقص في الكادر، وغياب البرامج التأهيلية طويلة الأمد، ما يحوّل الحالات إلى عبء غير معلن داخل المؤسسة.
فشل بنيوي في إدارة الملف النفسي للجنود
رغم تزايد عدد الإصابات النفسية والانتحار، لم تُجرِ المؤسسة العسكرية أي تعديل جذري على آلية التجنيد أو إعادة التأهيل. الملف النفسي لا يشكّل عائقًا حقيقيًا أمام التجنيد، وغالبًا ما يتم تجاوزه في حالات الحاجة اللوجستية. ما يحصل هو تركيز على الجاهزية البدنية دون الأخذ بالحسبان التدهور العقلي المتراكم.
الحالة النفسية في صفوف الجيش الإسرائيلي باتت أزمة داخلية هيكلية. ارتفاع نسب الانتحار، ازدياد الإصابات النفسية، وإهمال المتابعة المؤسسية جميعها مؤشرات على خلل في منظومة التجنيد والتأهيل والتفريغ. المعطيات الحالية لا تُظهر نية لإجراء إصلاح بنيوي، ما يعني استمرار التدهور وتكرار الحالات في المستقبل القريب.