على الرغم من دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي حيّز التنفيذ منذ 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، فإن الاعتداءات الإسرائيلية لم تتوقف فعليًا، بل استمرت آثار الحرب في التمدد على الأرض، مسببة دمارًا واسعًا، وتحديات صحية وبيئية غير مسبوقة.
في بلدة كفركلا الحدودية، لا يزال علي حمود شيت، أحد السكان المتضررين، يتنقل بين أطلال منزله متعدد الطوابق الذي دمّره القصف الإسرائيلي. يقول بصوت يحمل مرارة الاعتياد على المأساة: “لا نستطيع العيش في أي مكان آخر… ربما ستكون هناك حرب أخرى، لقد اعتدنا على ذلك”.
قرى مدمّرة وضحايا في ظل هدنة هشة
تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن أكثر من 90% من قرية كفركلا قد دُمّرت، فيما بلغ عدد الشهداء 57 شخصًا منذ اندلاع الحرب في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023 وحتى 25 آذار/مارس 2025. وعلى الرغم من إعلان وقف إطلاق النار في منتصف شباط/فبراير، لا يزال جنود الاحتلال متمركزين في خمسة مواقع على الجانب اللبناني من الحدود، ما يثير مخاوف من تصعيد جديد.
أنقاض الحرب… أزمة بيئية متفاقمة
صرّحت وزيرة البيئة اللبنانية، تمارا الزين، لمجلة نيو لاينز أن كمية الأنقاض الناتجة عن الحرب منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 تقدَّر بنحو 32 مليون طن. فيما أشار تقرير للبنك الدولي إلى أن حجم النفايات الكلي قد يتراوح بين 50 إلى 100 مليون طن.
وفي السياق نفسه، قدّر المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية (CNRS) أن ما بين 2 إلى 4 ملايين طن من الأنقاض تكدّست في الضاحية الجنوبية لبيروت وحدها، نتيجة لما وصفه تقرير المركز بـ”استراتيجية الإبادة الحضرية” التي اتبعتها إسرائيل، عبر تدمير أحياء بأكملها بالقصف المباشر وزرع المتفجرات.
تفاوت جغرافي ومخاطر متصاعدة
وأوضح أحد خبراء إدارة النفايات أن الوضع الحالي أكثر خطورة من حرب 2006، حيث لم تعد النفايات محصورة في بيروت وضواحيها، بل امتدت لتغطي نحو 100 قرية جنوبية مدمّرة، ما يعقّد عملية المعالجة وإعادة التدوير.
غياب الاستراتيجية الوطنية وتأخّر الحكومة
وسط هذا الواقع، تُنقل النفايات مؤقتًا إلى مكبّ الجديدة في بيروت، على أن تُرحَّل لاحقًا إلى مطمر كوستا برافا بعد توسعته. غير أن الحكومة اللبنانية لم تصدر بعد أي موقف رسمي واضح أو خطة شاملة لإدارة الكارثة البيئية، رغم مرور أشهر على توقف العمليات القتالية.
الناشطون والخبراء البيئيون يواصلون توثيق حجم الأضرار، مشيرين إلى غياب الرؤية السياسية وخطط الإعمار المستدام. وتقول يارا خالق، الباحثة في التخطيط العمراني في “استوديو الأشغال العامة”: “لا توجد آليات رقابة تضمن التزام الشركات بالمعايير البيئية، ما يجعلنا نشكك بجدوى عمليات الفرز وإعادة التدوير”.
دعوات لإدارة علمية… ومقترحات للحلول
في ظل الغياب الرسمي، أطلقت منظمات بيئية وعلماء عريضة تطالب بوضع خطة متكاملة لإدارة الأنقاض، تتضمن: تحليل النفايات، وفرزها، والتخلص المؤقت منها في مواقع آمنة، وخلق فرص عمل محلية، وتبني تقنيات إعادة التدوير الحديثة.
من الجنوب… دعوات إلى الإعمار الأخضر
من جهته، يرى هشام يونس، رئيس جمعية “الجنوبيين الخضر”، أن إعادة تدوير النفايات وإشراك المجتمع المحلي في هذه العملية يمثلان ركيزة للإعمار المستدام. ويؤيده في ذلك المهندس رياض الأسعد، مدير شركة “الجنوب للإنشاءات”، الذي يدعو إلى إعادة تدوير الحطام محليًا وتحويله إلى مورد داعم للتنمية، بدلًا من أن يتحوّل إلى عبء طويل الأمد.