تُعد الزراعة في لبنان ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني والأمن الغذائي، إلا أنها تواجه اليوم تحديات غير مسبوقة ناتجة عن التأثيرات البيئية الناتجة عن العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان والتغيرات المناخية المتسارعة.
في هذا التقرير، سنستعرض بالتفصيل تأثيرات التغيرات المناخية، مثل تأخر الأمطار وموجات الصقيع، بالإضافة إلى الآثار المدمرة لاستخدام المواد الكيميائية في الحروب على الأراضي الزراعية، مع التركيز على المناطق الجنوبية التي تعرضت للقصف الإسرائيلي.
التغيرات المناخية: تحديات جديدة للزراعة
1. تأخر الأمطار: تأثيرات سلبية على دورة الزراعة
يشير الاستشاري والمهندس الزراعي الأستاذ حسن غزالة إلى أن المتساقطات المطرية الأخيرة، رغم أهميتها، جاءت متأخرة عن موعدها المعتاد. يوضح غزالة أن الأشجار، وخاصة أشجار “الزيتون” و “اللوزيات”، بدأت في التحضير لفصل الربيع مع ارتفاع درجات الحرارة في فترات سابقة، مما أدى إلى إزهار مبكر.
ويضيف: “التأخر في هطول الأمطار يؤثر سلباً على دورة حياة النباتات، حيث تحتاج الأشجار إلى كميات كافية من المياه في وقت محدد لضمان نموها بشكل صحي”.
2. موجات الصقيع: فوائد وأضرار
موجة الصقيع التي رافقت المنخفض الجوي الأخير كانت ذات تأثير إيجابي وسلبي في آن واحد. من ناحية، ساهمت في القضاء على الأمراض البكتيرية والفطرية التي تصيب الأشجار والمزروعات. ومن ناحية أخرى، قد تؤثر سلباً على البراعم التي أزهرت مبكراً، مما يؤدي إلى خسائر في المحاصيل.
3. كمية المتساقطات: نقص حاد في المياه
لا تزال كمية المتساقطات دون المعدلات المطلوبة لتخزين المياه في الأرض. يقول غزالة: “لبنان لم يصل بعد إلى المعدل الموسمي الكافي، ونأمل أن تستمر الأمطار خلال شهري آذار ونيسان لتعويض النقص”.
ويشير إلى أن نقص المياه سيؤثر سلباً على الزراعة البعلية، التي تعتمد بشكل كبير على الأمطار، مما يزيد من تكاليف الري ويؤثر على الإنتاجية.
أراضي الجنوب: بين الفوسفور والمبيدات الكيميائية
1. الفوسفور الأبيض: خطر مؤقت
تعرضت أراضي الجنوب اللبناني للقصف الإسرائيلي العنيف باستخدام قذائف تحتوي على “الفوسفور الأبيض” (P4). يطمئن المهندس غزالة إلى أن خطر هذه المادة على التربة قد يزول بعد تحولها إلى “فوسفيد الكالسيوم”، وهي مادة غير قابلة للامتصاص من قبل النباتات.
ويوضح أن التربة الكلسية في لبنان ساعدت في تحييد تأثير الفوسفور، خاصة بعد هطول الأمطار التي غسلت التربة من أي بقايا خطيرة.
2. المبيدات الكيميائية: الخطر الحقيقي
لكن الخطر الحقيقي، بحسب غزالة، يكمن في “المبيدات الكيميائية” التي قد تكون إسرائيل استخدمتها خلال العدوان الأخير. هذه المواد، التي تم رصد تأثيراتها السلبية بعد انسحاب إسرائيل من الجنوب عام 2000، يمكن أن تمنع إنبات البذور لمدة تصل إلى سنتين، وتؤدي إلى تشوهات في نمو النباتات، كما حدث مع أشجار الزيتون التي أظهرت أوراقاً غير طبيعية بعد تعرضها لتلك المبيدات عام 2000.
ويضيف غزالة: “هذه المواد الكيميائية تُعتبر أكثر خطورة من الفوسفور، حيث يمكن أن تبقى في التربة لفترات طويلة وتؤثر على خصوبتها وإنتاجيتها”.
التوصيات: خطوات لإنقاذ الزراعة اللبنانية
1. فحص التربة بشكل دوري
ينصح المهندس غزالة بإجراء فحوصات مخبرية شاملة للتربة في المناطق المتضررة، ليس فقط للكشف عن بقايا الفوسفور، بل أيضاً للتحقق من وجود أي مواد كيميائية أخرى قد تكون أكثر خطورة.
2. استخدام تقنيات حديثة لتحسين الري
مع نقص المتساقطات، يجب على المزارعين اللجوء إلى تقنيات الري الحديثة، مثل الري بالتنقيط، لتحسين كفاءة استخدام المياه وتقليل الهدر.
3. تعزيز البحث العلمي في مجال الزراعة
يجب على الجهات المعنية تعزيز البحث العلمي في مجال الزراعة، خاصة فيما يتعلق بتأثيرات التغيرات المناخية والحروب على التربة والمحاصيل.
مستقبل الزراعة بين التفاؤل والحذر
رغم التحديات المناخية والحربية، يبقى هناك أمل في تعافي الزراعة اللبنانية، خاصة إذا استمرت الأمطار بالهطول وتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لفحص التربة ومعالجة أي تلوث كيميائي. ومع ذلك، فإن الحذر واجب، خاصة في ظل التاريخ الطويل للتأثيرات السلبية للحروب على البيئة والزراعة في لبنان.
المصادر:
1. الاستشاري والمهندس الزراعي حسن عباس غزالة، خبير في أنظمة الري الحديث وتنسيق المواقع.
2. منظمة الأغذية والزراعة (FAO)، تقارير عن تأثيرات الحروب على الزراعة.
3. وزارة الزراعة اللبنانية، بيانات عن المتساقطات المطرية والتغيرات المناخية.
4. دراسات علمية عن تأثير الفوسفور الأبيض والمبيدات الكيميائية على التربة.
5. مركز البحوث الزراعية في لبنان، تقارير عن تأثيرات التغيرات المناخية على المحاصيل.
فريق التحرير