في زحمة الواجبات المدرسية، وانهيارات ما قبل النوم، والغرف المبعثرة، هناك طفل لا يُقصَد منه العناد، بل هناك صوت يجتاح داخله قائلاً: “أنا مش فاهم حالي!”. هذا هو الواقع اليومي للعديد من العائلات التي تعيش مع طفل يعاني من اضطراب فرط الحركة وتشتّت الانتباه – المعروف اختصارًا بـ ADHD.
قد يبدو الطفل في نظر الكثيرين عنيدًا، كسولًا، أو كثير الحركة دون مبرر. لكن الحقيقة، كما تؤكد الدكتورة ميرا العرّ، الاختصاصية في الصحة النفسية، مختلفة تمامًا:
“الطفل الذي يعاني من ADHD ليس سيئًا، بل يواجه تحديًا داخليًا في تنظيم انتباهه، ضبط انفعالاته، وإدارة يومه بشكل متسلسل ومنظم. وما يبدو سلوكًا فوضويًا هو في الحقيقة انعكاس لصراع عصبي داخلي.”
ما هو ADHD؟
هو اضطراب عصبي-نمائي يبدأ في الطفولة، ويظهر بثلاثة أنماط رئيسية:
- فرط الحركة (الاندفاعية والنشاط الزائد).
- تشتّت الانتباه (صعوبة في التركيز والبقاء على المهمة).
- النوع المركّب (يشمل الحالتين معًا).
يؤثر ADHD على الطريقة التي يعمل بها الدماغ، فيصعّب على الطفل تنظيم أفكاره وسلوكياته، ويخلق تحديات في المدرسة، في المنزل، ومع الأصدقاء.
لماذا لا يجب أن نُفسّر السلوك بالعقاب فقط؟
في قلب كل سلوك “صعب”، هناك احتياج غير ملبّى. الطفل لا يتعمد تجاهل التعليمات، ولا يتأخر في أداء فروضه لأنه “لا يبالي”، بل لأن دماغه يعمل بطريقة مختلفة.
تشرح الدكتورة ميرا:
“نحن بحاجة لتغيير العدسة التي نرى بها الطفل: بدلاً من أن نقول ‘هو عم يستفزني’، علينا أن نفهم أن دماغه لا يستطيع الاحتفاظ بالمعلومة لأكثر من دقائق دون تذكير بصري أو حركي.”
خطوات عملية للتعامل مع الطفل المصاب بـ ADHD
التعامل مع الطفل يبدأ من الفهم، ثم التهيئة. إليك بعض التوصيات الفعّالة التي تشدد عليها الأبحاث النفسية وخبرات المعالجين:
✅ 1. روتين يومي واضح
- أنشئ جدولًا مرئيًا للمهام اليومية (صور، رموز).
- ثبّت أوقات النوم، الأكل، الدراسة، واللعب.
✅ 2. تقسيم المهام
- قسم الفروض أو المهام المنزلية إلى خطوات قصيرة وواضحة.
- مثلاً: بدلًا من “رتّب غرفتك”، قُل: “حطّ الألعاب بالصندوق، رجّع الكتب على الرف”.
✅ 3. تعزيز السلوك الإيجابي
- استخدم التعزيز الإيجابي والمكافآت الرمزية.
- امدح السلوك الجيد مباشرة وبطريقة محددة: “رائع إنك خلصت المهمة بلا تذكير!”.
✅ 4. تقنيات بديلة عن الأدوية
بحسب الدكتورة العرّ:
“بدلاً من الاعتماد فقط على الأدوية، يمكننا تحسين التركيز من خلال جلسات علاج نفسي سلوكي (CBT)، وممارسة تمارين ذهنية أو تأملية تساعد في إعادة توجيه الانتباه، وتخفيف القلق، وتعزيز السيطرة الذاتية.”
تقنيات مثل:
- التنفس العميق والتأمل للأطفال.
- تمارين التركيز البصري والسمعي.
- اللعب العلاجي لمساعدته على التعبير عن مشاعره.
الطفل لا يحتاج لعقاب… بل لفهم واحتواء
الطفل المصاب بـ ADHD لا “يُربّى بالضرب” ولا “يخضع بالصراخ”. هو بحاجة لمن يفهم نمط دماغه ويتعامل معه بصبر وحنان.
“الصبر مش ترف. هو حجر الأساس”، تقول العرّ. “لما بتعطي للطفل أمان عاطفي، وحضن ثابت ما بيتغيّر حتى بأصعب اللحظات، أنت عم تبني له توازن داخلي بساعده يكبر بثقة.”
اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه ليس فشلًا تربويًا، ولا ضعفًا أخلاقيًا. هو حالة عصبية تحتاج رعاية خاصة، وفهم، وتقبّل.
بدلًا من معاقبة الطفل، فلنبدأ بسؤاله:
“شو عم تحس؟ شو بدك مني حتى تساعدك تنجز؟”
هذا السؤال وحده كفيل بأن يصنع الفرق بين طفل يشعر بأنه عبء، وطفل يعرف أنه مفهوم ومحبوب.