في عام 2012، اهتزّ الشارع اللبناني على وقع مشهد أثار جدلًا واسعًا: الشيخ أحمد الأسير يعتلي منبر مسجد بلال بن رباح في صيدا، حاملًا بندقية بلاستيكية مخصصة للأطفال، زاعمًا أنها تُطلق عند الضغط على الزناد عبارة “اضربوا السيدة عائشة”.
خطابه لم يكن عابرًا، بل شكّل شرارة أولى لموجة توتر طائفي تصاعدت في ظل الحرب السورية والانقسام السياسي والمذهبي الحاد في لبنان. البندقية، التي تبيّن لاحقًا أنها لعبة منتشرة في الأسواق العربية وتصدر عبارة باللغة الإنجليزية تقول: “Go, go, go! Pull over and save the hostages” (أي: “انطلق! أوقف المركبة وحرر الرهائن”)، اعتبرها الأسير “دليلًا على مؤامرة طائفية تستهدف أهل السنة”.
ورغم غياب أي دليل مرئي أو صوتي يؤكد روايته، تلقّفها الشارع المذهبي سريعًا، وجرى تضخيمها وترويجها كحقيقة دامغة. اشتعلت المنابر، واندلعت سجالات طائفية، قبل أن تتحوّل صيدا لاحقًا إلى ساحة مواجهات مسلّحة، سقط فيها أبرياء، وعناصر من الجيش اللبناني.
كذبة وظّفت الغيرة على الرموز
لم تكن الحادثة دفاعًا عن الصحابة بقدر ما كانت استثمارًا في مشاعر الغيرة الدينية لتأجيج فتنة داخلية، مدفوعة بحسابات إقليمية تتغذّى على تفكيك النسيج الطائفي. مشهد بسيط، مفبرك، تحوّل إلى حريق وطني، حين وُظف في سياق مذهبي مشحون.
إسرائيل 2024: الإهانة الحقيقية… والصمت
في المقابل، وفي عام 2024، ظهر مقطع موثق لجندي في جيش الاحتلال الإسرائيلي يحمل كلبًا سمّاه “Aisha” في إشارة صريحة ومستفزة لاسم أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها. هذه المرة لم تكن القصة مشكوكًا فيها، ولا لعبة أطفال، بل إهانة موثقة بالصوت والصورة.
ومع ذلك، مرّ المشهد بصمتٍ مريب: لا بيانات، لا خطب، لا حملات استنكار، ولا دعوات لـ”الذود عن حرم المسلمين”. لا أحد تحرّك.
غضب انتقائي… ومعايير مزدوجة
ما بين بندقية بلاستيكية وكذبة مشكوك فيها، وكلب حقيقي يحمل اسمًا مقدسًا، تتجلّى أزمة الوعي في العالم العربي. هل كانت الغيرة على السيدة عائشة يومها صادقة؟ أم مجرّد ورقة رمزية في لعبة طائفية تستهدف شريك الوطن لا عدو الأمة؟
الشتيمة من عدو الأمة تُبتلع، بينما الشك من ابن البلد يُفجّر المدن.
المشكلة لم تكن في لعبة أو في كلب، بل في منطق الغضب ومعاييره:
إما أن تكون غيرتنا واحدة، ومواقفنا مبدئية،
وإما أن نعترف بأن كثيرًا من صراخنا لم يكن لله… بل لأجندات تُدار من خلف الستار.
ملاحظة: “هذا المقال لا يستهدف أي طائفة أو جهة دينية، بل يناقش ظاهرة التوظيف السياسي للدين والغضب الانتقائي في الخطاب العام.”