تهجير الفلسطينيين من أراضيهم ليس مجرد فكرة طارئة أو خطة عابرة، بل هو حلمٌ إسرائيلي قديم، يرافقه إصرار لا ينقطع منذ نكبة 1948. هذا الحلم الأسود يتجدد على الدوام، كجرح لا يلتئم، تحركه أطماع داخلية ودعم خارجي، يتجسد أحياناً عبر مشاريع وخطط لا تخلو من القسوة، آخرها اقتراح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب نقل سكان غزة إلى مصر والأردن، وكأن الوطن يمكن أن يكون مجرد رقعة أرض تُستبدل بأخرى!
تاريخ التهجير الفلسطيني هو تاريخ من الألم والمقاومة، كما يؤكد المؤرخ الفلسطيني عبد القادر ياسين، الذي يرى في هذا المقترح مجرد تكرار لمحاولات سابقة لم تنجح ولم تنل إلا الرفض العربي الرسمي والشعبي. منذ «خطة سيناء» عام 1953، إلى مشاريع مثل «مشروع الجزيرة» في شمال سوريا، و«مشروع جونسون» لتوطين اللاجئين حول نهر الأردن، كانت هذه الخطط تصطدم بجدار الإرادة الفلسطينية، تلك الإرادة الصلبة التي لم تنحني أمام أعتى العواصف.
في 1948، حينما انتُزعت فلسطين من أهلها بقوة السلاح، بدأت رحلة الشتات، لتُولد مأساة مستمرة حتى اليوم. ثلاث أرباع مليون فلسطيني اقتلعوا من أرضهم، وتحولت حياتهم إلى خيام ومخيمات، بينما تأسست «الأونروا» كاستجابة عاجزة أمام بحر من المعاناة. وبعدها، تتالت المشاريع الأميركية والإسرائيلية، وكان آخرها «صفقة القرن»، تلك الصفقة التي أراد أصحابها طمس الحق الفلسطيني مقابل وعود جوفاء، لكنها قوبلت بالرفض القاطع.
ومع كل خطة تهجير جديدة، تتساقط الأقنعة، وتتكشف حقيقة ما يُحاك في الظل. من «خطة شارون» في السبعينيات لإفراغ غزة من سكانها، إلى مشاريع 2000 وما بعدها، كان الهدف واحداً: تفريغ الأرض من أصحابها الحقيقيين، وتحويلهم إلى أرقام بلا وطن. ولم يكن خطاب ترامب الأخير إلا استكمالاً لهذا المسار، محاولاً إحياء مشروع التهجير بطرحٍ جديد، لكنه يظل حلماً مستحيلاً، لأن فلسطين ليست مجرد أرض… فلسطين هي ذاكرة وتاريخ لا يمكن محوه بقرار سياسي أو صفقة دولية.
في قلب هذه المأساة، يقف الفلسطينيون، صامدين رغم كل شيء، يحرسون بقايا وطنهم كما يحرس الفلاح أرضه المقدسة. هؤلاء الذين شهدوا على الخراب في مخيم النصيرات، وعلى أنقاض منازلهم المدمرة، لا يزالون يمسكون بجذورهم، يرفضون الهجرة الطوعية، لأنهم يدركون أن الوطن ليس مجرد مكان… الوطن هو الحلم الذي لن يسقط، والحق الذي لن يموت.
ويبقى السؤال، ما دور الحكومات العربية في مواجهة محاولات تهجير الفلسطينيين، وكيف يمكنها تعزيز موقفها في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني؟
بقلم رئيس التحرير / حسين عباس غزالة