في تحول مذهل يمزج بين التقنية والبيئة والتنمية، أصبحت جبال مقاطعة “قويتشو” الصينية مرصعة بالألواح الشمسية، ليس فقط لتوليد الطاقة، بل أيضاً لتحفيز نهضة اقتصادية واجتماعية في إحدى أكثر مناطق الصين عزلة وفقراً.
هذه المنطقة الجبلية، الواقعة جنوب غربي البلاد، كانت فيما مضى أرضاً غير منتجة يعيش سكانها على زراعة البطاطس، بدخل لا يتجاوز 2000 يوان (نحو 277 دولاراً سنوياً للفرد). أما اليوم، فقد تحوّلت إلى واحدة من أبرز النماذج العالمية في دمج الطاقة المتجددة بالتنمية الريفية.
صعود الطاقة الشمسية من سفوح الجبال
بدأ المشروع في 2016 بمحطة “ميزهان” للطاقة الكهروضوئية، التي اختبرت لأول مرة إمكانية الجمع بين الزراعة وتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية. وعلى مدى سبع سنوات، ارتفعت قدرة التوليد من 1.75 مليون كيلوواط في 2018 إلى 15 مليون كيلوواط بحلول 2023 — طاقة كافية لتغطية احتياجات آلاف الأسر.
أكثر من مجرد طاقة: نموذج تكامل الزراعة والطاقة
لم تُستخدم الأراضي فقط لتوليد الكهرباء، بل خضعت لتطوير زراعي شامل. فإلى جانب إنتاج الطاقة، أُعيد تنظيم الزراعة تحت الألواح الشمسية، وزُرعت محاصيل جديدة تحقق أرباحاً إضافية للمزارعين. كما حصل سكان القرى على دخل مزدوج: من تأجير الأراضي لشركات الطاقة، والعمل في المحطات أو التعاونيات الزراعية.
هكذا وُلد ما يعرف اليوم في الصين بنموذج “الزراعة الكهروضوئية”، الذي يحقق أقصى استفادة ممكنة من المساحات المحدودة، ويخلق فرص عمل، ويزيد دخل المجتمعات الريفية.
دعم حكومي وتسارع في الريادة العالمية
تُموّل هذه المشاريع من خلال قروض مصرفية وتسهيلات حكومية، ما يعكس استراتيجية صينية واضحة لتسريع التحول نحو الطاقة المتجددة. وبحسب وكالة الطاقة الدولية، تنتج الصين حالياً ما يزيد عن 600 غيغاواط/ساعة من الطاقة المتجددة — أكثر من إنتاج الولايات المتحدة والبرازيل والمملكة المتحدة وإسبانيا مجتمعة.
بيئة أفضل.. وتنمية أعمق
هذا التوسع الهائل في مشاريع الطاقة الشمسية الجبلية لا يُسهم فقط في خفض البصمة الكربونية، بل يوفر حلولاً عملية لأزمات الغذاء والعمل في المناطق النائية. وفي ظل المخاوف المتزايدة من تغير المناخ وندرة الغذاء عالمياً، تقدم الصين نموذجاً متقدماً يمكن أن تلهم به دولاً كثيرة في سعيها نحو تنمية مستدامة وشاملة.