هنا في لبنان، وفي كل شبرٍ من ترابنا العربي الجريح، نكتم الصرخة كي لا يسمعها العدو، ونفتح النافذة للأمل كي لا يختنق في رئة الحرب.
تغتالنا رائحة البارود، ويقتات العدو من أجسادنا، من حقول الزيتون وأحلامنا المعلقة على غيمةٍ لا تصل.
يظنّون أن الفرح ترفٌ في أرضٍ مشبعةٍ بالدم، وأن الشهداء أرقامٌ عابرةٌ في سجلات موتهم.
لكننا نعرف أن لكل شهيدٍ اسمًا لا يليق به النسيان، ولكل شهقةٍ في صدر أمٍّ ثكلى قصةٌ لا تنتهي.
في هذا الخراب، نتعلم من الحجر كيف نصير أوفياء، كيف نعانق جذورنا كلما حاولوا اقتلاعها.
نحن أبناء الأرض التي ولدتنا من صبرها، نعيش على شفير الهاوية، ونعلن:
البقاء هنا ليس ضعفًا، بل شهادة على كبرياء الحياة.
هكذا نمشي – بين الشهداء الذين رحلوا كضوءٍ في ليلٍ طويل، وبين الأبرياء الذين ينتظرون دورهم في الطابور الطويل للموت.
نمشي ونحن نعلم أن العدو سرق منّا الكثير: شجرنا، خبزنا، وأغانينا.
لكنه لم ينتزع هذا الإيمان بأننا نُولد من جديد، كلما انطفأت شمعةٌ في ظلمة الروح.
فليعرفوا:
نحن الذين نحمل جراحنا على أكتافنا، كأكاليل زيتون، سنظل هنا، نحرس ذاكرة الشهداء ونزرع الغد في حقولٍ لا تعرف اليأس.
فلتكن الحربُ قاسيةً كما تشاء،
لكننا سنبقى.
لأن البقاء، في حضرة الموت، قصيدةٌ لا تنتهي.