تستعرض الصحفية الاستقصائية الفلبينية شيلا كورنيل في مقال لها على صفحات فورين أفيرز واحدة من أبشع الجرائم التي ارتكبها الجيش الأميركي في الفلبين بحق شعب المورو المسلم، في واقعة مذبحة بود داجو عام 1906، استنادًا إلى البحث الدقيق الذي قدمه المؤرخ البريطاني-الدنماركي كيم فاغنر في كتابه “مذبحة بين السحب” (Massacre in the Clouds).
أثناء هذه المجزرة، التي وقعت في سفح بركان بود داجو في جزيرة جولو جنوب الفلبين، قتل الجيش الأميركي أكثر من ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال، بذريعة قمع التمرد وإرساء الاستقرار في مستعمرة الفلبين. وتبقى أصداء هذه المجزرة ترافق الفلبين حتى اليوم، حيث كانت بداية لحقبة تاريخية مريرة، مما حول شعب المورو إلى أقلية في أراضي أجدادهم، رغم محاولات الإنصاف التي بدأت مع اتفاق السلام في 2014، الذي اعترف للمرة الأولى “بالمظالم والمطالبات المشروعة” لهذا الشعب. ومع بداية 2019، تولى أعضاء من جبهة تحرير مورو الإسلامية حكم منطقة بانجسامورو، في خطوة نحو تحقيق الحكم الذاتي، مع تحديد مايو 2025 موعدًا لإجراء أول انتخابات في المنطقة الجديدة، التي قد تساهم في استقرار الفلبين بعد سنوات طويلة من إرث الاستعمار.
وفي فصل من فصول هذه المذبحة، تسلّط كورنيل الضوء على أحداث شهر مارس 1906، عندما صعد الجنود الأميركيون إلى قمة بركان بود داجو. كانت الفلبين في ذلك الوقت تحت حكم الولايات المتحدة، وكان اللواء ليونارد وود، الحاكم الأميركي للمقاطعة، قد أمر بالاستيلاء على المعسكرات المحصنة لشعب المورو، والتي كانت قد تجمعت في فوهة البركان بعد أن أجبرهم الجيش الأميركي على الفرار من قراهم في جولو. استخدم الجيش الأميركي المدفعية بشكل مكثف لتدمير هذه المعسكرات، وأعطى أوامر بإطلاق النار على “كل ما يتحرك”، في ظل مقاومة شرسة من المورويين الذين قاتلوا بكل ما لديهم من أسلحة بدائية.
في تقريره المؤرخ في “مذبحة بين السحب”, يصف فاغنر مشهد الجثث الملقاة على قمة الجبل والتي كانت مليئة بالجروح البشعة، بما في ذلك الأطفال الذين سقطوا في محاولة يائسة للبحث عن أمهاتهم وسط الحطام. فاغنر يستند في كتابه إلى محفوظات استعمارية، مبرزًا حجم الفظائع التي ارتكبتها القوات الأميركية، حيث أشار إلى رسائل الجنود الأميركيين التي تروي عن المجزرة وما تخللها من مشاهد مرعبة وأعمال عنف لا تُغتفر.
تُعد هذه المذبحة جزءًا من سلسلة من الفظائع التي ارتكبتها الولايات المتحدة في مستعمراتها، والتي شملت أحداث مشابهة في أماكن أخرى مثل مذبحة ووندد ني في ساوث داكوتا عام 1890 ومذبحة ماي لاي في فيتنام عام 1968. ويرى فاغنر أن مذبحة بود داجو لم تكن استثناء، بل كانت تمثل نمطًا متبعًا في التعامل مع السكان الأصليين والشعوب المستعمَرة، حيث ترتبط هذه الفظائع بجذور الاستعمار الأميركي الذي يتسم بالتنصل من المسؤولية والاحتفاظ بعلاقات قمعية مستمرة.
ولطالما كانت مذبحة بود داجو مصدرًا للجدل، فقد استمرت آثارها في المجتمع الفلبيني في شكل توترات عرقية مستمرة بين شعب المورو والدولة الفلبينية، خاصة في المناطق الجنوبية التي لا تزال تعاني من العنف المستمر بين المجموعات المتطرفة والقوات الحكومية. وقد أظهرت هذه المذبحة، مثل غيرها من جرائم الحرب الأميركية، كيف يمكن للتحقيقات العسكرية السريعة والتستر أن تمهد الطريق للإفلات من العقاب، وهو نمط لا يزال قائمًا حتى في حروب العصر الحديث، كما يتضح من انتهاكات “الحرب على الإرهاب” في العراق وأفغانستان.
إن تاريخ هذه المجزرة وجذورها العميقة في الهيمنة الإمبريالية الأميركية يعكس استمرار تأثير الاستعمار على السياسات الداخلية في الفلبين حتى يومنا هذا، وهو إرث يعزز القمع في مواجهة التطلعات الديمقراطية للشعب الفلبيني وحقوق المجموعات العرقية مثل المورو.
فريق التحرير