لا يمكن الإنكار أن التعليم الجامعي في لبنان شكل علامة فارقة ومميزة على صعيد العالم، وخصوصاً العالم العربي. وقد أدى دوراً كبيراً في المساهمة في تكوين أجيال متعلمة يحتاجها لبنان والدول المجاورة في بناء المستقبل. هذا التعليم تضرّر جداً منذ بدء الأزمة في لبنان وانتشار وباء “كورونا”، ووجد نفسه على شفير الانهيار
يواجه التعليم العالي في لبنان تحديات كثيرة نتيجة هذه الأزمات؛ فانهيار العملة اللبنانية مقابل الدولار أدى إلى ارتفاع كبير في الأقساط في معظم الجامعات الخاصة، فيما تلوّح الجامعة اللبنانية الحكومية بالفراغ في ظل تعليق الدراسة بسبب عدم إيفاء أساتذتها مستحقاتهم وعدم قدرتها على استيعاب عدد كافٍ من الطلاب
هكذا بات لبنان اليوم مهدداً بفقدان الأعمدة الرئيسية التي ساعدت اللبنانيين على مواجهة الأزمات الماضية، والتي من المفترض أن تساعده لمواجهة الأزمة الحالية، وخصوصاً أن الطاقات الشبابية اللبنانية المتعلمة والمنتشرة في الدول العربية تشكل مصدر دخل كبيراً للدولة
إلى جانب الغلاء الجنوني، يناضل جيل الشباب للحصول على شهادات جامعية تكون سلاحهم الوحيد في مواجهة صعوبات الحياة، فهم يبحثون دائماً عن بصيص أمل لينتشلهم من مستنقع اليأس الذي بات يحيط بأفكارهم وحياتهم اليومية
لكن كلما أتت الفرصة، اتجهت إدارات الجامعات الخاصة التي تحوي نسبة كبيرة من الطلاب الجامعيين إلى رفع أقساطها بطريقة عشوائية وجنونية، ما يؤدي إلى خنقهم وتهجيرهم وتوجههم الى منصات اجتماعية مبتذلة قد تقضي على مستقبلهم، لأن الأغلبية الساحقة من الطلاب غير قادرة على تحمل أي تكاليف إضافية
هذه الزيادات غير المبررة في الأقساط، التي تصب في خدمة أرباح الجامعات، تُبرر ببيانات ذريعتها الأولى الحفاظ على الكادر التعليمي الذي يغادر الجامعة لعدم نيل الرواتب التي يستحقها
باتت بعض الجامعات الخاصة مكشوفة بثوبها التجاري الواضح. تفكر في مصالحها الخاصة، تاركة الشباب اللبناني بلا دعم، مع كل ما يترتب على ذلك من آثار ضارة
كل هذه التأثيرات تدفع الكثير من الشباب والشابات إلى التسرب من التعليم الأكاديمي، ومن مختلف أنواع التعليم الأخرى، للانخراط في عمل غير رسمي أو غير منتظم أو حتى متدني الأجر، بهدف تأمين أي دخل يمكّنهم من مساعدة أسرهم على مواجهة التحديات المتزايدة
وقد دفعت الأزمة 4 من كل 10 شباب إلى خفض الإنفاق على التعليم من أجل تأمين الأساسيات من غذاء ودواء ومواد أخرى، وهناك 3 من كل 10 طلاب توقفوا عن التعلّم، ونسبة 31% من الشباب خارج دائرة العمل أو التعليم أو التدريب
وانخفضت نسبة الالتحاق في المؤسسات التعليمية من 60% في العام الدراسي 2023-2022 إلى 35% في العام الدراسي الحالي. كذلك، يشعر 41% من الطلاب بأن فرصتهم الوحيدة هي البحث عن فرص عمل في الخارج، فهل أصبح التعليم للمقتدرين فقط؟ وماذا عن الفقراء أو غير القادرين على تحمل هذه التكاليف الباهظة؟
لقد حرموا جيلاً بكامله من سلاحه الوحيد الذي طالما حلم به وخطط له للحصول في نهاية المطاف على عمل لائق والمساهمة في ازدهار وطنه. أما اليوم، فنرى الشباب يغادرون البلاد بحثاً عمن يقدر مهاراتهم، ومحظوظ من يتمكن من مغادرة لبنان وتأسيس حياته في الخارج، فضلاً عن شريحة كبيرة انخرطت في منصات التواصل الاجتماعي، التي تزيد من حجم التسرب والتشجيع على الالتحاق بعمل مبتذل ومؤقت
ختاماً، لا يجب أبداً إغفال دور جيل الشباب في عملية بناء الوطن وتنمية اقتصاده، فهم مستقبل البلاد، ويجب الاستفادة من طاقاتهم وشهاداتهم وكفاءاتهم. وفي حال بقاء موضوع التعليم مهمشاً في لبنان، سنشهد المزيد من حالات الفقر والجوع والعنف والبطالة، وخصوصاً أن موضوع الجامعة اللبنانية ما زال بعيداً عن الحل، ويجب التدخل سريعاً لإتخاذ الاجراءات المناسبة للتخفيف من حدة اليأس عند الشباب الذين أصبحوا جيلاً بلا طموح، همهم الوحيد تأمين قوتهم والصمود ما أمكنهم في وجه الأزمات
بقلم رئيس التحرير / حسين عباس غزالة