في زمن المجاعة والحصار، بات الخبز نفسه موضع شبهة. ففي قطاع غزة، حيث يعيش أكثر من مليوني إنسان تحت نير القصف والجوع منذ تسعة أشهر، كشفت مصادر رسمية عن العثور على حبوب مخدّرة داخل أكياس الطحين المقدمة كمساعدات إنسانية.
المشهد الأول: اكتشاف مدوٍ في أكياس الغذاء
وفق ما أعلنه المكتب الإعلامي الحكومي، فقد أبلغ مواطنون من مخيمي دير البلح والبريج عن وجود أقراص دوائية داخل أكياس الطحين بعضها مغلّف بالقصدير، وبعضها الآخر مطحون بشكل لا يُرى بالعين المجردة. الفحوصات الأولية أشارت إلى أن هذه الأقراص هي حبوب “أوكسيكودون” بتركيز 80 ملغ، أحد أخطر المسكنات الأفيونية التي لا تُصرَف إلا تحت إشراف طبي صارم، وغالبًا ما تُعطى فقط لمرضى السرطان أو الآلام المزمنة.
لكن الخطير ليس فقط في نوعية الدواء، بل في سياقه: هذه الحبوب لم تُسلَّم لمريض داخل غرفة عناية فائقة، بل دُفِنت داخل الطحين الذي يُوزَّع على جوعى غزة.
“مصائد الموت”: اتهامات بتوظيف الغذاء كسلاح
المكتب الإعلامي وصف المراكز التي تم التوزيع منها بـ”مصائد الموت“، في إشارة إلى الدور المشبوه لبعض نقاط التوزيع المرتبطة بالجيش الأميركي أو جهات خارجية غير موثوقة. الاتهامات لم تأتِ من مصدر رسمي فحسب، بل عمّت منصات التواصل، حيث اشتعل وسم “#الطحين_المسموم” بمئات الشهادات، الصور، والمطالبات بفتح تحقيق عاجل.
كتب أحد المغردين:
“فتحتُ كيس الطحين الذي اشتريته من السوق، فوجدت أقراص Oxycodone 80mg مخدّرة. هذه ليست صدفة ولا خطأ تعبئة. هذا عمل مُمنهج لتدمير ما تبقّى منّا.”
هل نحن أمام سلاح غير تقليدي؟
يصف أطباء أن الأوكسيكودون بتركيز 80 ملغ هو دواء “لا يُعطى حتى للمبتدئين”، إذ يحتاج الجسم إلى التدرّج في تناول الأفيونات لتجنّب التسمم. وعليه، فإنّ أيّ تعرض غير مرصود أو غير مقصود لهذا العقار قد يؤدي إلى الإدمان، السكتة التنفسية، بل والوفاة.
ويقول طبيب من غزة فضّل عدم ذكر اسمه:
“نحن لا نتعامل هنا مع مسكّن عادي. نحن نتحدث عن أفيون صناعي بتركيز قاتل… وجوده في الطعام هو إعلان حرب على الوعي والجسد معًا.”
أصابع الاتهام تتّجه إلى الموردين الدوليين
أثارت الحادثة الشكوك حول سلسلة الإمداد والمراقبة، لا سيما مع ورود تقارير تفيد بأن أكياس الطحين التي احتوت المخدرات كانت من منشأ أميركي. هذا يفتح الباب أمام أسئلة مقلقة:
- من الجهة التي تراقب جودة المساعدات قبل دخولها القطاع؟
- من يضمن عدم تسرب مواد سامة أو مخدّرة؟
- وهل يمكن الحديث عن تورط مباشر أو غير مباشر في محاولة “تفكيك المجتمع الغزي” من الداخل؟
ردود فعل غاضبة ومطالبات بتحقيق دولي
وسط هذه الاتهامات، تصاعدت الدعوات الحقوقية والصحافية لفتح تحقيق دولي مستقل، تشارك فيه هيئات موثوقة مثل الصليب الأحمر أو لجنة دولية محايدة، لفحص مسار التوريد والتعبئة والتغليف. الصحافية منال خليل كتبت:
“ما يحدث ليس خطأ. هو تكتيك. حين يتحوّل الغذاء إلى أداة قتل، لا يعود الحديث عن مساعدات إنسانية بل عن جريمة إبادة بيضاء.”
عندما يصبح الخبز أداة حرب
في غزة، حيث يتحوّل كل شيء إلى ساحة معركة من السماء إلى الطبق اليومي، لم يعد هناك ما يُستثنى من سلاح الحرب. لا الأطفال، لا المرضى، ولا حتى الطحين. وما كشفته هذه الحادثة الخطيرة ليس فقط جريمة بحق الصحة العامة، بل جريمة أخلاقية ضد مجتمع يُصارع للبقاء.
فهل يتجرأ العالم على فتح الملف؟ أم أن الطحين سيظلّ يُوزّع ومعه الموت المغلّف؟