حين تصبح الطفولة مجرد وسيلة لانتزاع الدموع، وتُختزل الأمومة إلى جملة عابرة داخل مشهد دموي، نكون أمام لحظة حرجة في تاريخ الدراما، لحظة يتقدّم فيها العنف ليغلف البراءة، لا ليصطدم بها.
مسلسل Squid Game، الذي صُوّر على أنه نقد للواقع الطبقي، ينزلق في موسمه الثالث نحو استغلال رمزي واضح للطفل والأم، حيث يتحوّلان من كائنين مستقلّين إلى أدوات حبكة تُستخدم لإثارة الشفقة وتزيين المذبحة.
استغلال الطفولة والأمومة: من الكائن إلى الرمز
دمية الطفلة القاتلة: البراءة المزوّرة
في الحلقة الأولى من الموسم الأول، تظهر دمية ضخمة على هيئة طفلة صغيرة تغني وتلعب، لكنها في الحقيقة تُراقب وتقتل. هذا التصادم بين الصورة والصوت، بين البراءة والدم، كان مقصودًا لإحداث صدمة نفسية تلتصق بالمشاهد، حيث تتحول الطفلة من رمز للحياة إلى أداة لإصدار الحكم بالموت.
المتسابقة الحامل وطفلتها “Player 222”
في الموسم الثالث، تتقدّم المتسابقة Kim Jun-hee إلى اللعبة وهي في مراحل الحمل الأخيرة. في مشهد درامي صادم، تلد طفلتها وسط أجواء مليئة بالرعب والدم، بمساعدة زميلاتها في اللعبة. بعدها تُقتل في لعبة “الحبل”، وتُترك الطفلة خلفها.
لاحقًا، يتّضح أن الطفلة تُمنح رقم والدتها Player 222 وتُجبر على خوض الجولة الأخيرة من اللعبة، حيث يضحي البطل Gi-hun بنفسه لتنال هي الفوز. ما بدا لحظة تضحية سامية، كان في جوهره توظيفًا فنيًا للطفلة كـ “خاتمة شاعرية”، لا كإنسان له حق النجاة. الطفلة لم تكن إلا تتويجًا رمزيًا لمسار العنف، لا خروجًا منه.
ردود الفعل: بين سحر الدراما واشمئزاز الضمير
-
أولياء الأمور
أعرب كثير من الآباء عن صدمتهم من إدخال الولادة في قلب لعبة قاتلة، واعتبروا تصوير الطفلة كـ “جائزة أخيرة” مهينًا لمعاني الأمومة ومسؤولية الطفولة. انتشار صور الطفلة على مواقع التواصل كلعبة افتراضية أعاد إشعال النقاش حول الرقابة الأبوية على المحتوى الدرامي.
-
النقاد الفنيون
بعض النقاد أشادوا بجماليات المشهد، لكن الأغلبية رأت في إدراج الولادة والطفلة نوعًا من التلاعب العاطفي الرخيص. لقد تحوّلت التضحية إلى وسيلة “مضمونة” لجرّ الدموع، بينما فُقدت أي معالجة واقعية لقيمة الحياة أو كرامة الأم.
-
الجمهور العادي
ردود الجمهور كانت منقسمة، لكن كثيرين وصفوا النهاية بأنها “مزعجة وغير منطقية”، واعتبروا أن إدخال الطفلة في الجولة الأخيرة أفرغ المسلسل من مصداقيته، خاصة أن استخدامها كان رمزيًا لا فعليًا — لا نشهد نموًا لها، ولا نعرف مستقبلها، بل مجرد حضور شكلي لتحقيق خاتمة درامية “مكتملة”.
أثر المسلسل على الوعي العام
-
تحويل الطفولة إلى سلعة درامية
سواء كانت دمية قاتلة أو طفلة رضيعة تُستخدم كرمز للفوز، فإن المسلسل يضع الطفولة في خانة التوظيف لا التمثيل. لا مكان للحماية أو النمو، بل للصدمة والتأثير اللحظي.
-
تشويه صورة الأمومة
بدل أن تُمنح الأم فرصة للحياة أو الدفاع عن مولودتها، تُقتل فورًا، ويُستخدَم موتها كعامل تمهيد لتضحية البطل. الأم هنا ليست أمًا، بل بوابة درامية نحو “مشهد عظيم”.
-
زعزعة مفاهيم الأمان لدى الأطفال والمراهقين
دمج العنف بالبراءة بهذا الشكل العميق يجعل الطفل أو المراهق يعيد التفكير في معنى “الآمن”، ويستسهل الربط بين الحب والموت، وبين الأمل والخسارة.
توصيات نقدية
-
إلى صنّاع المحتوى
عليهم أن يدركوا أن الطفولة ليست وسيلة لإثارة المشاعر، بل مسؤولية فنية وأخلاقية. يمكن توظيف الرمز دون سحق معناه، ويمكن إثارة العاطفة دون استغلال الرضيع كخاتمة شاعرية.
-
إلى النقّاد والإعلام الثقافي
لا بد من إعادة فتح النقاش حول “دراما الصدمة” وما إذا كانت تقدم شيئًا غير استثارة لحظية. فالنجاح لا يُقاس فقط بعدد المشاهدات، بل بعمق الأثر الذي يتركه العمل في الضمير.
-
إلى الأهل والمؤسسات التربوية
يجب أن تتطور الرقابة لتصبح تربوية، لا قمعية. متابعة المحتوى، وشرح رمزيته للأطفال والمراهقين، هو سلاح ضروري لحمايتهم من التحولات غير الواعية في فهمهم للعالم.
في Squid Game، لم يكن الطفل موضوعًا، بل وسيلة. لم تكن الأم بطلة، بل نقطة عبور. لم تكن البراءة درعًا، بل تغليفًا باردًا للعنف. حين تتحوّل الطفلة إلى “لاعبة أخيرة”، وتصبح الأمومة وسيلة لتبرير نهاية درامية، نكون قد دخلنا منطقة خطرة: منطقة يُنتج فيها الألم لغرض الإثارة، وتُباع البراءة على شكل حلقة درامية مثيرة.
يبقى السؤال: هل نُريد دراما تُبكينا، أم تُفكّرنا؟ وهل يمكن أن نحب فنًا يستغلّ أضعف من فينا؟