في قلب المدينة القديمة في طرابلس، وتحديدًا بين أزقة سوق الذهب، ينبعث من جديد أحد أرقى المعالم التراثية اللبنانية، حمّام النوري، الذي يخضع حاليًا لورشة ترميم كبرى تشرف عليها المديرية العامة للآثار في وزارة الثقافة اللبنانية، بالتعاون مع المعهد الأوروبي للتعاون والتنمية وجمعية “خادمي الغد”، وبدعم من دائرة أوقاف طرابلس.
هذا الحمّام التاريخي الذي بُني في أوائل القرن الرابع عشر الميلادي، يُعدّ الأضخم والأفخم بين حمامات طرابلس التقليدية، وقد عانى من الإهمال والتقادم منذ توقفه عن العمل في سبعينيات القرن الماضي. لكن اليوم، باتت آمال الطرابلسيين معلّقة على مشروع ترميم يعيد إليه الحياة… وربما مجده السابق.
إرث عمره قرون
تشير الدراسات إلى أن الحمام بُني على يد الأمير سنكر نوري بين عامي 1305 و1310، ويُعتقد أن “النوري” هو لقب لأحد أثرياء العصر المملوكي. ورغم ما لحق به من تآكل، ما زالت قبابه المتعددة، وأجرانه الحجرية، وبركته الداخلية قائمة بشكل يثير الإعجاب.
الترميم… بين الأصالة والتحديات
عملية الترميم الجارية تتم وفق معايير دقيقة حددتها المديرية العامة للآثار، تشمل إزالة الإضافات غير المتوافقة مع الطابع التقليدي، والحفاظ على المعالم الأصلية مثل بركة الماء المكشوفة في الباحة، وإعادة تصميم الديوان الخشبي، وتثبيت القباب التاريخية التي فقدت الكثير من “الأقداح” الزجاجية التي كانت تنير المكان.
هشاشة في البنية… لكن الأمل موجود
الدراسات الهندسية رصدت عوامل خطرة تهدد الحمام، أبرزها تسرّب المياه، ونمو الأعشاب والفطريات، وتآكل السقف بسبب تراكم الرمال والرطوبة، ما أدى إلى شقوق في بعض القباب. كما تسبب الإهمال في تلف قنوات التصريف واختفاء أجزاء من البنية الأصلية، كأقداح الإنارة الحجرية.
ومع ذلك، يؤكد خبراء الترميم أن الحمام يتمتع ببنية قوية ومتماسكة بُنيت بحرفية عالية، ما يجعل فرص نجاح عملية الترميم كبيرة، ويمنح المشروع بعدًا ثقافيًا وسياحيًا محوريًا في قلب المدينة التاريخية.
وجهة الحمام المستقبلية… بين التراث والسياحة
لم تُحدد بعد الوجهة النهائية للحمام بعد الانتهاء من الترميم: هل سيُعاد تشغيله كحمّام تقليدي؟ أم يتحوّل إلى متحف أو نقطة جذب سياحي؟ القرار لم يُحسم بعد، لكن الأكيد أن “النوري” لن يبقى في الظل طويلاً.