في قلب العاصمة السورية دمشق، حيث تتنفس الجدران قصصاً لا تُروى، تفتح صالة “عشتار” غاليري أبوابها لاستقبال زوّار معرض “وجوه من بلدي”، الذي يُمزج بين التشكيل والتوثيق الضوئي ليحول الألم إلى لوحات تُحرّك المشاعر، والوجوه إلى حكايات تعلّق في الذاكرة.
بين باريس ودمشق: فنّ يبحث عن وطن
بعد أن أثار المعرض اهتمام الجمهور الأوروبي في باريس أواخر 2024، يعود إلى دمشق حاملاً معه 36 عملاً فنياً تروي حكايات السوريين الذين حملوا جراحهم وهُويّتهم في حقائب الهجرة منذ 2011. هنا، يلتقي الفنان التشكيلي أسعد فرزات (المقيم في سويسرا) بالمصوّر سامي درويش (المقيم في فرنسا) ليُقدّما سرداً بصرياً يجسّد “الغربة والانتماء” في آنٍ واحد.
العدسة التي التقطت ما فُقد
سامي درويش، الذي غادر دمشق عام 2012 تاركاً وراءه أرشيفاً ضائعاً من آلاف الصور، حوّل جراحه إلى مشروع إنساني. عبر عدسته، لم يوثّق وجوهاً عابرة فحسب، بل أعطى صوتاً لقصصٍ كُتبت بدماء الحرب. يقول:
“هذه الوجوه ليست مجرد صور، إنها رسائل من الماضي إلى حاضرٍ يرفض النسيان”.
أما أعماله الـ 23 الضوئية، فتظهر وجوهاً سورية بتعبيراتها المتناقضة: من نظرة طفل تحمل البراءة إلى عيون عجوز تشي بسنوات من الانتظار.
الفرشاة التي رسمت الألم والبحار
في المقابل، يأتي أسعد فرزات بـ 13 لوحة تشكيلية تخلط الواقعي بالتعبيري، حيث تتحول الوجوه إلى خريطة جغرافية من المشاعر. يقول عن أعماله:
“كل وجه هنا يحمل بحراً من الأسئلة، وقطرة من بارود الحرب. نبحث عن هوية في عيون غادرتنا، لكنها لم تغب عنّا”.
في لوحاته، تظهر الألوان الداكنة المُطعّمة بلمسات زرقاء (كالبحر) أو رمادية (كدخان القنابل)، كأنها تذكرنا بأن السوري يحمل وطنه في عينيه أينما رحل.
فنّ يذيب الحدود
المعرض ليس مجرد أعمال فنية معلّقة على الجدران، بل حوارٌ بين الضوء واللون، بين الغائب والحاضر. هو محاولة لقول إن الفن يمكنه أن يكون جسراً يعبر فوق خرائط السياسة، ويحفظ الذاكرة من الضياع.
يستمر المعرض حتى 9 أبريل/نيسان الجاري، ليكون محطة للتأمل في قوة الفن كـ “لغة عالمية” تُترجم الألم إلى جمال، والغربة إلى حنين.
فريق التحرير