في صالة “تانيت” الفنية بمار مخايل في بيروت، يقف الزائر أمام أعمال الفنان اللبناني روي ديب في معرضه الأخير “أثر”، الذي يروي حكاية لبنان في السنوات العاصفة التي تلت انتفاضة ١٧ تشرين الأول، مروراً بجائحة كورونا، وانفجار مرفأ بيروت، وصولاً إلى حرب ما بعد “طوفان الأقصى”.
لوحات صامتة تعكس صخب الواقع
يضم المعرض نحو ٢٠ لوحة فنية، معظمها طباعات حبر على الورق، مدمجة أحياناً بقطع بلاستيكية أو ألمنيوم، تظهر مشاهد متنوعة من بيروت: أحياؤها الراقية، أنقاض الأجهزة الكهربائية، حرج بيروت من الجو، وشاطئها الذي يلامس أطراف المدينة. هذه الصور ليست سوى “آثار” تلمح إلى أحداث غائبة عن المشهد، لكنها حاضرة في الذاكرة.
يقول ديب عن فكرته: “أردت أن أدع جسدي يختبر الحياة دون تحليل مفرط، وأن أترجم هذه التجارب عبر وسائط جديدة”. فجاءت الأعمالصامتة، رغم أن الفنان يؤكد أن “الصوت” كان حاضراً بقوة في خلفيتها، خاصة أصوات القصف والانفجارات التي أصبحت جزءاً من يوميات اللبنانيين.
بين العزلة والكارثة
يستحضر ديب في إحدى لوحاته عمل الفنان العالمي مايكل أنجلو بيستوليتو “المتر المكعب من اللانهاية”، ليقدم نسخته المعاكسة بعنوان “العزلة في زمن الكارثة”، حيث يُجسّد مكعباً يحوي مرايا تعكس صمتاً يواجه الفوضى. هنا، يحاول الفنان تمكين الضحايا من استعادة السيطرة على أجسادهم وهوياتهم، بعيداً عن صورة الضحية السلبية.
وتعلق الناقدة الفنية نايلة تمرز على المعرض قائلة إنه “يتتبع حادثة جنسية عبر ٢٠ صورة فوتوغرافية”، مشيرة إلى البعد الإنساني العميق الذي يلامس جراح الجسد والذاكرة.
جدار الصوت.. عندما يصبح الخوف مرئياً
في جانب آخر من المعرض، تبرز سلسلة “جدار”، التي تترجم أصوات القصف إلى لوحات ثنائية، تعكس لحظات الانتظار بين انفجار وآخر. يقول ديب: “في لبنان، صرنا نعيش على إيقاع اختراق جدار الصوت يومياً”، في إشارة إلى القصف الجوي الذي لا ينتهي.
“درع بيروت”: سخرية أم محاولة للنجاة؟
يختتم ديب معرضه بمجسم “درع بيروت”، عملٌ ساخرٌ يطرح سؤالاً عن إمكانية حماية المدينة وسكانها من العنف المتكرر. وفي وسط القاعة، يُترك للزائر فرصة الجلوس في مساحة مكعبة مع سماعات عازلة للضوضاء، كدعوة إلى لحظة هدوء في قلب العاصفة.
كيف نحكي قصة العنف؟
يطرح معرض “أثر” أسئلة جوهرية: كيف يمكن للفن أن يعبّر عن وحشة الجسد في زمن الكارثة؟ وكيف يحوّل الآثار الصامتة إلى قصص مرئية؟ عبر شاعرية اللوحة ورمزيتها، يجيب روي ديب بأن الفن قد يكون آخر أسلحة المقاومة ضد النسيان.
فريق التحرير