تشير دراسات حديثة إلى وجود ارتباط محتمل بين استهلاك المحتوى العنيف عبر الإنترنت وارتكاب جرائم عنيفة في الحياة الواقعية، وهي ظاهرة أُطلق عليها مصطلح “القتلة من 0 إلى 100”. هؤلاء الأفراد ينتقلون بشكل مفاجئ من مشاهدة مقاطع فيديو تتضمن أعمال تعذيب وتشويه وقطع رؤوس إلى تنفيذ جرائم مماثلة، دون أن يكون لديهم سجل إجرامي سابق. وفقاً لتقارير نشرتها صحيفة “الغارديان” البريطانية، فإن هذه الظاهرة تثير تساؤلات حول تأثير المحتوى الرقمي على السلوك البشري، وتستدعي تطوير استراتيجيات جديدة لمواجهتها.
الخلفية النظرية والبحثية
تشير الأبحاث في علم النفس وعلم الجريمة إلى أن التعرض المتكرر للمحتوى العنيف قد يؤدي إلى “التطبيع النفسي” للعنف، حيث يصبح الفرد أقل حساسية تجاه الأفعال العنيفة ويميل إلى اعتبارها مقبولة أو حتى مبررة. في هذا السياق، يلعب الإنترنت دوراً محورياً، حيث يوفر وصولاً غير مسبوق إلى محتوى متطرف وعنيف، غالباً ما يتم تعزيزه من خلال خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي التي تقدم محتوى مشابهاً بناءً على سلوكيات المستخدم السابقة.
دراسات الحالة ودلالاتها
إحدى الحالات التي أثارت اهتمام الباحثين هي حالة نيكولاس بروسبر، الذي قتل والدته وإخوته وخطط لمذبحة في مدرسة ابتدائية. تشير التحليلات إلى أن بروسبر كان يستهلك كميات كبيرة من المحتوى العنيف عبر الإنترنت قبل ارتكاب الجريمة. هذه الحالة، إلى جانب حالات أخرى مشابهة، تعزز الفرضية القائلة بأن الإنترنت قد يكون عاملاً محفزاً لسلوكيات إجرامية لدى أفراد معينين، خاصة أولئك الذين يعانون من اضطرابات نفسية أو اجتماعية.
دور الخوارزميات والتأثير الرقمي
تختلف وسائل التواصل الاجتماعي عن الوسائل التقليدية مثل الأفلام وألعاب الفيديو، حيث إنها توفر تجربة تفاعلية وشخصية. الخوارزميات المستخدمة في هذه المنصات تعمل على تعزيز المحتوى المتطرف، مما يؤدي إلى إنشاء “غرف صدى” تعزز المعتقدات والسلوكيات العنيفة. هذا النمط من التعرض المتكرر والمكثف للمحتوى العنيف يمكن أن يؤدي إلى تغييرات في الإدراك والسلوك، مما يزيد من احتمالية ارتكاب جرائم عنيفة.
الحاجة إلى استراتيجيات جديدة
في ضوء هذه التحديات، دعا خبراء العدالة الجنائية إلى اعتماد نهج جديد مستوحى من استراتيجيات مكافحة الإرهاب. جوناثان هول، المراجع المستقل للتشريعات المتعلقة بالإرهاب في الحكومة البريطانية، أكد على ضرورة التعامل بصرامة مع هذه القضية، مشيراً إلى أن الإنترنت أصبح مصدراً رئيسياً لتطبيع العنف. من جهته، أشار ديفيد ويلسون، أستاذ علم الإجرام الفخري في جامعة برمنجهام سيتي، إلى أن البحث في هذا المجال لا يزال في مراحله الأولى، ولكنه يتطلب اهتماماً عاجلاً.
التوصيات المستقبلية
لمواجهة هذه الظاهرة، يقترح الباحثون عدة إجراءات، منها:
1. تعزيز الرقابة على المحتوى العنيف: من خلال تطوير أدوات ذكاء اصطناعي قادرة على تحديد وإزالة المحتوى المتطرف بشكل فعال.
2. التوعية بمخاطر المحتوى الرقمي: عبر حملات تثقيفية تهدف إلى زيادة وعي المستخدمين بتأثير المحتوى العنيف على السلوك.
3. تعزيز التعاون بين الحكومات ومنصات التواصل الاجتماعي: لضمان تطبيق معايير أخلاقية صارمة في عرض المحتوى.
4. إجراء مزيد من الأبحاث: لفهم الآليات النفسية والاجتماعية التي تربط بين استهلاك المحتوى العنيف والسلوك الإجرامي.
فريق التحرير