في زوايا الذاكرة، حيث يتراكم الغبار على جراح لم تُندمل بعد، نجد أنفسنا واقفين أمام أسئلة لا تنتهي. أسئلة تبحث عن إجابات في ظلامٍ لم نتعوّد بعد على سبر أغواره. كيف نفهم كلّ ما حدث؟ كيف نُلملم شظايا قلوبنا المتناثرة بين ركام الأيام؟ وكيف نعبر عن حزنٍ لم نجد بعد الكلمات التي تحمله؟
هذه الأسئلة ليست مجرد استفهامات عابرة، بل هي صرخات تبحث عن صدى في عالمٍ يبدو أحيانًا بلا أذان. نحن نحاول أن نروي قصصنا، أن نُخرجها من أعماقنا إلى النور، لكن اللغة نفسها تبدو عاجزة. الذاكرة مفتتة، والألسنة تتعثّر، وكأنّ الكلمات لم تعد كافية لتحمل ثقل ما عشناه.
في هذا السياق، يأتي العرض الأدائي “أربعون حجرًا من ركام الضاحية” لـهاشم هاشم بالاشتراك مع پترا سرحال وفاطمة مروّة، ليقدم لنا محاولةً لفهم ما حدث، وللتعامل معه. هذا العمل ليس مجرد عرضٍ فنيّ، بل هو رحلةٌ داخل الذات الإنسانية، بحثًا عن معنى في وسط الفوضى.
العرض، الذي يجمع بين الأداء والسينوغرافيا والإضاءة والصوت، يحاول أن يلمس جراحنا بلطف، أن يفتح أبواب الذاكرة المغلقة، وأن يسمح لنا بالحزن بطريقتنا الخاصة. الحزن هنا ليس مجرد شعور، بل هو فعل مقاومة، محاولة لإعادة بناء ما تهشّم.
هاشم هاشم، بفكرته وكتابته، يقدم لنا عالمًا من الرموز والأساطير، حيث الأشباح قد تنقذنا، والأساطير قد تنير دروبنا. هو عالمٌ يحاول أن يجعل الألم أكثر رفقًا بنا، وأن يمنحنا الأمل بأنّ الكون قد يجد طريقه ليولد من جديد.
پترا سرحال، من خلال الدراماتورجيا والإخراج المشترك، تنسج خيوط القصة بحرفية، لتجعل من كلّ حركةٍ وكلمةٍ جزءًا من لوحةٍ أكبر، لوحةٌ تعبر عن التشظي والضياع، ولكنها أيضًا تبحث عن الوحدة والشفاء.
فاطمة مروّة، بأدائها، تجسد الألم والأمل معًا، تحوّل الحزن إلى فنّ، وتجعل من الصمت لغةً قادرة على التعبير عن كلّ ما لا يُقال.
أنطونيلا رزق، بتصميمها للإنارة، تخلق أجواءً تتناغم مع المشاعر المتناقضة التي يثيرها العرض. الضوء هنا ليس مجرد أداة، بل هو شخصيةٌ أخرى في القصة، يلعب مع الظلال ليرسم مشاهدَ من الذاكرة.
كارول أبي غانم، بهندسة الصوت، تمنحنا عالمًا سمعيًا يضيف بعدًا آخر للتجربة. الصوت هنا ليس مجرد خلفية، بل هو جزءٌ من الحكاية، يعزّز المشاعر ويجعلها أكثر عمقًا.
سينوغرافيا هاشم هاشم تحوّل المسرح إلى فضاءٍ مليء بالرموز، حيث كلّ حجرٍ من ركام الضاحية يحمل قصةً، وكلّ زاويةٍ تعيدنا إلى لحظةٍ من الماضي.
مايا الشامي، بتصميم الملصق، تقدم لنا واجهةً بصريةً تعكس جوهر العمل، بينما سحر خريس، بإدارتها للإنتاج، تضمن أن كلّ هذه العناصر تلتقي بسلاسة لتخلق تجربةً متكاملة.
“أربعون حجرًا من ركام الضاحية” ليس مجرد عرضٍ أدائيّ، بل هو دعوةٌ للتفكير، للحزن، وللشفاء. هو محاولةٌ لفهم ما حدث، ولإعادة بناء ما تهشّم. هو تذكيرٌ بأنّ الألم، رغم قسوته، قد يكون بدايةً لشيءٍ جديد.
في 29 و30 آذار 2025، في مسرح زقاق ببيروت، ستكون هذه التجربة متاحةً للجميع. باللغة العربية فقط، لأنّ الحزن والذاكرة لا يحتاجان إلى ترجمة.
للحجز:
[https://ihjoz.com/events/8290](https://ihjoz.com/events/8290)
فريق التحرير