في خطوة غير اعتيادية، غادر الرئيس الأميركي دونالد ترامب ملعب الغولف في “بدمينستر” بولاية نيوجيرسي صباح السبت، ليتوجه على عجل إلى غرفة العمليات في البيت الأبيض. لم تكن هذه المرة الأولى منذ بداية التصعيد الإسرائيلي مع إيران، لكنها المرة الأهم – إذ كانت القاذفات الأميركية من طراز B-2 تحلق بالفعل في الأجواء، على وشك تنفيذ ضربات دقيقة على منشآت نووية إيرانية محصنة.
أقلعت الطائرات وهي تحمل قنابل خارقة للتحصينات من طراز GBU-57، تزن كل واحدة منها أكثر من 13 طنًا، في مهمة تهدف إلى ضرب مواقع حيوية في فوردو، نطنز، وأصفهان. وفي وقت لاحق، أكد ترامب نجاح العملية، دون إعطاء تفاصيل دقيقة حول حجم الأضرار.

تضارب المعلومات وتوتر في أجهزة الاستخبارات
رغم إعلان الرئيس عن نجاح الضربة، فإن القرار اتخذ في ظل خلافات داخلية عميقة في مجتمع الاستخبارات الأميركي. فمديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد تغيّبت عن اجتماع غرفة العمليات، في سابقة غريبة لمنصبها الحساس الذي يشرف على أكثر من 20 جهازًا أمنياً، من بينها الـCIA والـFBI.
وفي الوقت الذي كانت غابارد تؤكد أمام الكونغرس أن إيران لا تسعى لتطوير سلاح نووي حاليًا، كان مدير الـCIA جون راتكليف يوجّه رسالة معاكسة لمستشاري الرئيس، قائلاً إن لدى إيران نوايا نووية مؤكدة، مع تصعيد في تخصيب اليورانيوم وتجارب على صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية.
المفارقة، أن غابارد عادت وغيرت موقفها سريعاً، وغرّدت بعد الضربة قائلة إن “المعلومات الاستخباراتية تشير إلى أن إيران أصبحت قريبة جداً من امتلاك قنبلة نووية”.

خداع سياسي أم تكتيك تفاوضي؟
ما بدا وكأنه تحرك مدروس نحو التفاوض، اتضح لاحقاً أنه كان خدعة محسوبة. ففي مؤتمر صحفي، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت إن ترامب يرى “فرصة للتفاوض” خلال الأسبوعين القادمين. لكن هذه الرسالة كانت مجرد ستار، إذ تم إبلاغ بعض المستشارين المقربين مسبقاً بأن الضربة تمّت الموافقة عليها قبل يومين من تنفيذها.
الهدف كان على ما يبدو خداع الإيرانيين، وإعطاء الانطباع بأن واشنطن ما زالت متمسكة بمسار دبلوماسي، في حين أن الضربة العسكرية كانت قيد التنفيذ.
اللوبي الإسرائيلي وتأثيره على القرار الأميركي
في خلفية هذه الأحداث، لعبت جهات ضغط إسرائيلية ويهودية بارزة في واشنطن دورًا رئيسيًا في دفع ترامب نحو تبني “الخط الأحمر الإسرائيلي”، الذي يرفض أي شكل من أشكال تخصيب اليورانيوم داخل إيران. وهذا الخط يختلف جذريًا عن موقف ترامب السابق الذي كان يرضى ببرنامج نووي مدني إيراني غير مسلح.
وبحسب دوائر قريبة من صنع القرار، نجحت إسرائيل في إقناع ترامب بأن توجيه ضربة قوية لمنشأة فوردو سيعيد ترتيب موازين القوى في الشرق الأوسط ويثبت من جديد القيادة الأميركية في المنطقة.
ترامب بعد الهجوم: المهمة أنجزت، حان وقت السلام
في بيان صباح الأحد، قال ترامب: “تم تنفيذ هجوم ناجح جداً على ثلاثة مواقع نووية في إيران. طائراتنا عادت إلى قواعدها بسلام، ولا يمكن لأي جيش آخر تنفيذ مهمة كهذه. الآن، حان وقت السلام”.
تصريحات حملت نبرة انتصار، لكنها تركت الكثير من الأسئلة مفتوحة بشأن الرد الإيراني المقبل، واستدامة هذا “السلام” المزعوم.
ضربة ترامب لإيران ليست فقط رسالة عسكرية، بل إشارة سياسية لحلفائه وخصومه على حد سواء. لكنها أيضاً مخاطرة محسوبة – مبنية على معلومات استخباراتية متضاربة، وفي ظل واقع إقليمي متفجر. السؤال الأهم الآن: هل ستُترجم هذه الضربة إلى طاولة مفاوضات، أم إلى موجة جديدة من التصعيد؟ وفي الحالتين، يبدو أن “الخط الأحمر الإسرائيلي” أصبح هو البوصلة الجديدة للبيت الأبيض.