في تطور مأساوي جديد، أفادت وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة يوم الاثنين عن حادث مؤلم في خليج عدن قبالة محافظة أبين في جنوب اليمن، حيث انقلب قارب يحمل 154 مهاجراً إثيوبياً، ما أسفر عن مقتل 68 شخصاً وفقدان 74 آخرين يُعتقد أنهم لقوا حتفهم. بينما نجا 12 شخصاً فقط.
الحدث يسلط الضوء على المأساة المستمرة للمهاجرين الذين يخاطرون بحياتهم في سبيل فرصة حياة أفضل. لكن، هل تكشف هذه الحادثة عن قضايا أعمق تتعلق بالهجرة والإنسانية والأمن؟
دوافع الهجرة عبر خليج عدن
المهاجرون الذين يموتون في مثل هذه الحوادث ليسوا مجرد أرقام، بل هم جزء من تيار هجرة كبير ينطلق من القرن الأفريقي، وتحديدًا إثيوبيا، إلى دول الخليج.
تدفعهم الأزمات المتراكمة: الفقر، الحروب، الصراعات السياسية والعرقية، ونقص فرص العمل. يرى كثيرون في الخليج فرصة للهروب من واقعهم الصعب، رغم علمهم بأن الطريق محفوف بالمخاطر، خصوصًا عندما يسلكونه عبر البحر.
الدور الحيوي للمهرّبين
في معظم الحالات، يعتمد المهاجرون على المهرّبين الذين يديرون عمليات النقل عبر البحر. هؤلاء لا يعيرون أي اهتمام لسلامة الركاب، بقدر ما يسعون إلى الربح السريع.
غياب الرقابة الأمنية الحقيقية على الطرق البحرية يجعل هذه الممارسات أكثر انتشاراً، ويطرح تساؤلاً: إلى أي مدى تقوم السلطات بدورها؟ وهل تملك الدول في المنطقة الوسائل الكافية للسيطرة على هذه الظاهرة؟ في كثير من الأحيان، تكون الإجابة سلبية، ما يجعل المهاجرين رهائن لشبكات التهريب.
ضعف النظام في اليمن كسبب إضافي
يُعد الوضع اليمني عاملاً أساسيًا في استمرار هذه الحوادث. فمع استمرار الحرب وتفكك مؤسسات الدولة، تعجز السلطات عن فرض سيطرتها على السواحل أو تنظيم حركة المهاجرين.
اليمن، بوصفه نقطة عبور رئيسية بين أفريقيا والخليج، يعاني من فوضى أمنية تفتح المجال أمام المهربين، وتضع المهاجرين في قلب الخطر دون حماية تُذكر.
غياب الرقابة البحرية والمسؤولية الدولية
خليج عدن شهد في الشهور الماضية حوادث متكررة مشابهة. في مارس 2024، غرق أربعة قوارب قبالة اليمن وجيبوتي، ما أدى إلى فقدان 186 شخصًا.
هذا النمط المتكرر يكشف عن ثغرات خطيرة في الرقابة البحرية، ويُبرز فشل الجهود الدولية حتى الآن في وقف تهريب البشر.
على الرغم من جهود بعض المنظمات الإنسانية، فإن الاستجابة الدولية ما تزال ضعيفة، ولا ترقى لحجم المأساة. المطلوب ليس فقط مساعدات طارئة، بل تعاون إقليمي ودولي منسق لردع المهربين وتوفير بدائل قانونية وآمنة للهجرة.
تأثير انخفاض أعداد المهاجرين لعام 2024
أفادت المنظمة الدولية للهجرة بوصول أكثر من 60,000 مهاجر إلى اليمن في عام 2024، وهو انخفاض عن عام 2023 الذي سجّل 97,200 مهاجر.
ورغم هذا الانخفاض، فإن عدد الضحايا في الحوادث البحرية لا يزال مرتفعًا، مما يشير إلى أن المشكلة ليست في الأعداد بقدر ما هي في البنية التحتية الضعيفة، وغياب الحماية، وطرق الهجرة الخطيرة.
بالتالي، لا يُمكن اعتبار انخفاض العدد مؤشراً على تحسن الوضع، بل ربما دليلاً على تحوّل استراتيجيات الهجرة إلى مسارات أكثر سرية وخطورة.
ضرورة التغيير في السياسات الدولية
حادثة خليج عدن الأخيرة ليست معزولة، بل تُجسد أزمة أوسع للهجرة غير النظامية في البحر الأحمر وخليج عدن.
المأساة تكشف هشاشة الأطر القانونية والرقابية في اليمن والمنطقة، وتُبرز فشل المجتمع الدولي في حماية أرواح المهاجرين ومنع استغلالهم من قبل شبكات التهريب.
الحل لا يكمن فقط في تعزيز الدوريات البحرية، بل في معالجة الأسباب الجذرية للهجرة: النزاعات، الفقر، غياب العدالة، وغياب الفرص الاقتصادية في دول المنشأ.
كما يتطلب الأمر تنسيقاً إقليمياً ودولياً فعّالاً لوضع حد لهذه الكارثة الإنسانية المستمرة، وضمان أن لا يُترك المهاجرون وحدهم في مواجهة الموت، في قوارب لا تعود.