في مشهد يحمل الكثير من الدلالات الإنسانية والثقافية، قامت الكتيبة الكورية العاملة ضمن قوات اليونيفيل في جنوب لبنان، بتوزيع المياه والحلوى على الأهالي بمناسبة ذكرى عاشوراء، تحت عنوان “نحن معكم في هذا المصاب”. ليست هذه الخطوة الأولى من نوعها، بل تأتي استمرارًا لمبادرات مشابهة قامت بها الوحدة الكورية في الأعوام الماضية، ما يفتح الباب أمام قراءة أعمق لتأثير هذا التفاعل الثقافي والإنساني بين قوات حفظ السلام والمجتمع المحلي، ويفرض علينا التساؤل: هل يمكن لعمل رمزي بسيط أن يشكّل جسرًا بين ثقافتين؟ وما هي الرسائل الخفية التي تحملها مثل هذه المبادرات؟
البُعد الرمزي: الكتيبة الكورية وعاشوراء
عاشوراء ليست مجرد مناسبة دينية عند الطائفة الشيعية، بل هي لحظة وجدانية عميقة تختلط فيها مشاعر الحزن والولاء والهوية الدينية. مشاركة جهة أجنبية، مثل الكتيبة الكورية، في هذه المناسبة، يعكس إدراكًا حساسًا للبعد الثقافي والروحي للبيئة التي تعمل فيها هذه القوات. فحين توزع الكتيبة الكورية المياه عن روح الإمام الحسين، فهي لا تقوم بواجب لوجستي أو أمني، بل تمارس فعل تعاطف إنساني ومجتمعي، يدخل في صلب ما يُفترض أن يكون عليه دور “حفظة السلام”.
ردود الفعل المحلية: احتضان شعبي أم حذر ثقافي؟
المبادرة، وإن لاقت ترحيبًا من بعض أبناء الجنوب، تفتح بابًا للتساؤل: كيف يستقبل المجتمع المحلي مثل هذه الخطوات؟
من جهة، يرى كثيرون في هذه البادرة دليلاً على مدى “الخُلق الإنساني” لدى الوحدة الكورية، وانعكاسًا لاحترامهم للثقافة المحلية، مما يعزز الثقة ويخفف من النظرة التقليدية السلبية تجاه القوات الأجنبية.
لكن من جهة أخرى، قد يعبّر البعض عن تحفظ أو ريبة، معتبرين أن المشاركة في الطقوس الدينية لا يجب أن تكون شكليّة، أو تُستخدم لأغراض دعائية أو علاقات عامة.
التحليل الثقافي: كيف تُترجم الرموز؟
في الثقافة الكورية، المشاركة في أحزان الآخرين، حتى وإن كانوا من ثقافة مختلفة تُعد جزءًا من الأخلاق الجماعية. من هنا يمكن فهم حرص الكتيبة الكورية على التعبير عن “مواساتها” في ذكرى الحسين، باستخدام رمزين بارزين في عاشوراء: الماء والحلوى.
الماء، في عاشوراء، هو تذكير بمأساة العطش التي عاناها الإمام الحسين وأهل بيته في كربلاء. أما الحلوى، فهي رمز لمشاركة الناس في الصدقات.
إذًا، اختيار هذين العنصرين لم يكن عشوائيًا، بل يعكس محاولة لفهم رمزية المناسبة والتواصل معها بوسائل ذات معنى عاطفي وديني.
دلالات متكررة: تكرار المبادرة وعمق النية
اللافت أن هذه المبادرة ليست سابقة فردية، بل تكررت في السنوات الماضية. هذا التكرار يشير إلى ثبات في التوجه وليس إلى قرار لحظي. ومن هنا يمكن اعتبار أن الكتيبة الكورية تسعى بوضوح إلى ترسيخ علاقات إنسانية عابرة للجغرافيا والدين واللغة، قائمة على التفاهم والاحترام المتبادل.
السياق الأوسع: البيئة والإنسانية
أشارت بعض التحليلات إلى أن هذه المبادرات تعكس أيضًا تفهمًا أعمق للبيئة الجنوبية، بما تحمله من أبعاد اجتماعية ودينية مركبة. القوات الدولية، لا سيما الكتيبة الكورية، أصبحت تدرك أن القوة الناعمة – كالمبادرات الإنسانية قد تكون أكثر تأثيرًا من القوة العسكرية، في كسب ثقة الناس والاندماج في محيطهم.
في زمنٍ تتكاثر فيه الصراعات والاصطفافات، تظهر مبادرات مثل التي أطلقتها الكتيبة الكورية وكأنها رسائل أمل خفية تقول إن الإنسانية ما زالت حاضرة، وإن الجسور لا تُبنى دائمًا بالسياسة، بل أحيانًا بكوب ماء ونية صافية.
مشاركة الكتيبة الكورية في عاشوراء ليست فقط دعمًا لحزن، بل هي وقوفٌ رمزيٌ إلى جانب قضية، وتجسيد للاحترام العميق بين ثقافتين – قد تكونا مختلفتين، لكنهما تلتقيان في القيم الإنسانية المشتركة.