الفصل الأول: الملامح الأولى للخديعة
في أحد أحياء المعادي العتيقة، كان “عادل” يعيش حياة تبدو من الخارج مثالية. رجل ناجح في منتصف الأربعين، هادئ الطبع، صاحب مبدأ، يملك شركة صغيرة ناجحة في مجال العقارات، ويُعرف بين أصدقائه بأنه “الراسي وسط العاصفة”. تزوج من نعمة، شابة تصغره بعشر سنوات، كانت تعمل سكرتيرة في إحدى الشركات، فاتنة، ذكية، وتملك حضورًا يسرق الأعين.
أما “جمال”، فكان الوجه الآخر للعملة. رجلٌ صاخب، يحب السهر والمغامرة، لكنّه كان أقرب لعادل من شقيقه. التقيا منذ الجامعة، وبقيا معًا رغم اختلاف المسارات. جمال، رغم شطحاته، كان يحترم عادل… أو هكذا ظنّ عادل.
دخل جمال حياة نعمة تدريجيًا، كصديق للأسرة. جلسات القهوة، المزاح، الهدايا الصغيرة التي لا تبدو مريبة… حتى أصبح وجوده عاديًا في البيت.
لكن عادل، رغم هدوئه، كان يراقب. لم تكن لديه دلائل، فقط ذلك الإحساس الخافت الذي لا يخذل الرجال.
الفصل الثاني: في قلب العاصفة
في يوم ما، دخلت نعمة إلى أحد المقاهي الصغيرة في الزمالك، حيث كان جمال ينتظرها. جلسا في زاوية مظللة، وكان حديثهما ممتلئًا بتوتر خفي.
قالت نعمة:
“إحنا بنلعب بالنار يا جمال… عادل مش غبي.”
أجاب جمال، وهو يمسك يدها بخفة:
“هو بيثق فينا… ودي أكبر نقطة ضعف عنده.”
مرت الأيام، وتكررت اللقاءات. نعمة كانت تتأرجح بين شعور بالذنب وإغراء المغامرة. لم تكن تكره عادل، لكنها… لم تعد تحبه. أو ربما لم تفهم مشاعرها أصلًا.
أما عادل، فبدأ يجمع خيوطًا غير مرئية. فواتير غير مبررة، رسائل ممسوحة بشكل ساذج، لمسات عابرة بين جمال ونعمة في لحظات غفلة. لم يواجه، بل قرر أن ينتظر اللحظة المناسبة.
الفصل الثالث: الساعة الحاسمة
كان ظهر يوم جمعة. الجو هادئ، الشوارع خالية بسبب حرارة الصيف. أخبر عادل زوجته أنه سيزور أحد المواقع البعيدة، لكنه عاد إلى البيت بعد ساعة. فتح الباب بهدوء، دخل، وصعد الدرج المؤدي إلى غرفة النوم.
هناك، رأى المشهد الذي لم يكن يتمنى رؤيته… شقيقه وصديقه جمال، على سريره، مع زوجته.
لم يصرخ. لم يسأل. فقط نظر إليهما بجمودٍ قاتل. جمال، مصدومًا، قال:
“عادل… مش زي ما أنت فاكر…”
لكن عادل رفع سكين المطبخ التي كان قد التقطها في طريقه، وقال:
“بل زي ما أنا شايف.”
طعن جمال طعنة واحدة، في القلب. لم يبالِ بالصراخ. لم يلمس نعمة. فقط نظر إليها نظرة طويلة، ثم غادر الغرفة.
الفصل الرابع: التحقيق
اتصل عادل بأحد معارفه في قسم الشرطة، وهو ضابط سابق اسمه “عمر”. قال له بهدوء:
“جمال حاول يعتدي على مراتي… دافعت عنها… وقتلته.”
جاء عمر سريعًا، رأى الدم، والجثة، وسكون نعمة المصدومة. سجل البلاغ. وأغلق القضية باعتبارها “دفاعًا عن الشرف”.
لكن عمر، رغم صداقته القديمة مع عادل، كان رجل شرطة محترف، وبدأ يشك.
بدأ يحقق بعيدًا عن الأوراق الرسمية. راقب نعمة. تابع مكالماتها. وذات يوم، استوقفها في شارع جانبي وسألها بهدوء:
“هو كان بيعتدي؟ ولا كان حبيبك؟”
انهارت نعمة باكية. حكت كل شيء.
لكنه لم يبلغ. فقط سجّل اعترافها… ووضعه في ظرف مغلق.
الفصل الخامس: الحياة في الجحيم
عاد عادل إلى حياته كأن شيئًا لم يكن. لكنّه تغيّر. أصبح أكثر هدوءًا… وأقل إنسانية. كلما حاولت نعمة التحدث، يقاطعها بجملة واحدة:
“كملّي تمثيلك… احنا عايشين سوا، بس ميتين من جوّه.”
تحوّل البيت إلى قبر صامت. لا طلاق، لا حب، فقط حياة زائفة يحكمها الصمت والاحتقار.
كل صباح، كانت تستيقظ نعمة وتجد عادل يبتسم لها، ويضع فنجان القهوة أمامها، كأنه يكرر عقابًا يوميًا لها:
“أنا عارف… وإنتي عارفة… والسكوت أصدق من ألف صرخة.”
الفصل السادس: الحقيقة الأخيرة
بعد عام، توفي عمر في حادث سير. وبعد جنازته بأسبوع، تلقّى عادل ظرفًا بالبريد.
كان داخله اعتراف نعمة المسجل، وورقة بخط عمر تقول:
“مشيت معاك للنهاية… بس لازم تبقى فاكر: اللي بيسيب الخيانة تعيش، بيسجن نفسه معاها.”
أحرق عادل الورقة، لكن قلبه لم يحترق.
كان يعلم أنه اختار سجنه بنفسه، ليتركها تتعفن في قفص الذنب إلى الأبد.
الموعظة
هذه ليست قصة خيانة فقط…
بل قصة رجل قرر أن يجعل الخيانة تعيش، ليقتلها كل يوم ببطء.
السكوت ليس دائمًا غفرانًا…
وأحيانًا، الرحمة ليست في القتل، بل في الحياة…
حين تتحول الحياة إلى عقاب أبدي، بصمتٍ بارد، ونظرات لا تغفر.
القصة مستوحاة من أحداث حقيقية وقعت في إحدى الدول العربية، وقد تم تغيير الأسماء والأماكن حفاظًا على خصوصية الأشخاص وصونًا للحقائق.
بقلم رئيس التحرير / حسين عباس غزالة