بين أنقاض القرى وصرخات الذكريات، تنهض المجالس البلدية الجديدة جنوبي لبنان حاملةً أثقال دمار لم يُسدل عليه الستار بعد. بعدوان إسرائيلي خلّف جراحًا في الحجر والبشر، تتقدّم البلديات نحو إعادة الروح إلى الأرض، واضعةً “الإعمار” ككلمة سرّ للعودة.
عيترون: من الدمار إلى التشبّث بالجذور
في بلدة عيترون، لم ينتظر الأهالي طمأنة أو دعمًا دوليًا؛ عادوا إلى أرضهم كما يعود القلب إلى صدره. يقول رئيس البلدية سليم مراد: “الإنماء هو وفاء للأرض، وتمسّك بالجذور”. لكن العودة لم تكن سهلة، فقد واجه أبناء البلدة تحديات أمنية وزراعية، إذ إن الاحتلال لا يزال يرصد من نقاط مشرفة على سهلي المحافر والشقة، حيث تدور عجلة الزراعة.
حوالي 39 مزرعة أبقار، و10 مزارع دواجن، ومعمل أجبان بلدي تدمر بالكامل، واليد العاملة تحوّلت إلى مهن الإعمار والتجارة لسد رمق الحياة. ومع ذلك، بدأت البلدية بالتعاون مع المجتمع الأهلي حملة واسعة لإعادة النبض إلى عيترون: كهرباء، مستوصفات مؤقتة، جرافات، معدات زراعية، إنارة للشوارع، وتأهيل المدارس والقاعة العامة.
الخيام وطيرحرفا: إصلاح البنية لعودة الكرامة
في الخيام، الضربات لم تفرّق بين بيت ومدرسة، أو شارع ومستوصف. يشير عضو البلدية باسم خريس إلى أن ما يقارب ثلث المنازل سُوّيت بالأرض، ومعظم الخدمات تعطّلت. الدور اليوم للوزارات المعنية، لكنها تتحرك تحت إشراف دقيق من البلدية الجديدة التي وضعت العودة في صدارة أولوياتها.
أما في طيرحرفا، فالدمار طال نحو 400 وحدة سكنية، لم ينجُ منها سوى 12 بحاجة لترميم. رئيس البلدية ياسر عطايا يصرّ على تأمين بنية تحتية بديلة: طاقة شمسية، شبكات مياه، وبيوت جاهزة للسكن، بهدف كسر نزوح الأهالي نحو صور وإعادتهم إلى بلدتهم.
عيتا الشعب: مهمة بحجم وطن
في عيتا الشعب، الدمار لا يُقاس بالأرقام فحسب، بل بوجع 3240 وحدة سكنية لم تعد صالحة للحياة، منها 2780 دُمّرت بالكامل. البلدة، التي كانت تنبض بوجود 12 ألف نسمة على مدار العام، تحتاج إلى أكثر من إعادة إعمار، بل إلى إعادة بناء نسيج اجتماعي وثقافي واقتصادي.
رئيس المجلس أحمد سرور يشير إلى أن الزراعة كانت شريان البلدة، والتجارة والصناعة نبضها المستقبلي. لكن الحصار الأمني وقلة التمويل خنقا هذا الطموح. رغم ذلك، فإن التخطيط الحديث، وتوثيق الأضرار، ومطالبات التعويض، واستثمار الطاقات الشبابية والمبادرات المحلية، تشكل خارطة الطريق للنهضة المنشودة.
العودة ليست حلمًا، بل قرارًا
من عيترون إلى عيتا الشعب، ومن الخيام إلى طيرحرفا، تنسج المجالس البلدية الجديدة خيوط الأمل فوق بقايا الرماد. ليس لأن الطريق مفروش بالوعود، بل لأن العودة قرار، والإعمار رسالة، والتشبث بالأرض مقاومة من نوع آخر.
المصدر: الميادين نت