لم يكن تعثر فيلم “سنو وايت” (2025) مجرد نتيجة طبيعية لأخطاء فنية أو إخفاقات إنتاجية. ما حدث تخطى حدود الصناعة التقليدية للسينما ليكشف عن تحوّل أعمق: الفن لم يعد مساحة منفصلة عن السياسة، بل صار جزءاً من معركة السرديات العالمية، حيث الجمهور يقرأ الصورة على الشاشة من خلال عدسة الدماء والعدوان في غزة.
صورة الممثلة والرمز السياسي
أكثر ما أثار الجدل حول الفيلم لم يكن القصة ولا الإخراج، بل وجود الممثلة الإسرائيلية غال غادوت في دور الملكة الشريرة. غادوت التي خدمت سابقاً في جيش الاحتلال، وعبّرت مراراً عن دعمها العلني له خلال حرب غزة، تحوّلت في المخيال العام من نجمة سينمائية إلى رمز سياسي مرتبط بالإبادة. بالنسبة إلى قطاعات واسعة من الجمهور، لم يعد بالإمكان فصل شخصيتها الحقيقية عن الدور الذي تؤديه، فغدا الشر على الشاشة انعكاساً لشرٍ واقعيّ يعيشه الفلسطينيون يومياً.
الجمهور كفاعل سياسي
الجمهور الذي لطالما دخل قاعة السينما باحثاً عن الانفصال عن الواقع، وجد نفسه هذه المرة غير قادر على تجاهل سياق الحرب. صور الضحايا في غزة حضرت بقوة داخل الوعي الجمعي، فاختلط الصراع السينمائي بالصراع السياسي، وصار الحكم على الفيلم خاضعاً لموقفه الضمني من العدوان. بهذا المعنى، لم يعد استقبال العمل الفني مسألة جمالية بحتة، بل صار تعبيراً عن موقف أخلاقي من قضية ملتهبة.
أزمات فنية وتجارية… لكنها ثانوية
لا يمكن إنكار أن “سنو وايت” عانى أيضاً من ثغرات إنتاجية: اعتماد مبالغ فيه على المؤثرات البصرية، مشاهد الأقزام الرقمية التي لاقت سخرية واسعة، أداء تمثيلي وُصف بالضعيف، إضافة إلى خطاب “تمكين نسوي” بدا مفتعلاً حتى لشرائح من الجمهور الغربي. غير أن هذه المشكلات، رغم أهميتها، لم تكن كافية لتفسير حجم الخسارة. كثير من الأفلام الضخمة تتجاوز عيوبها الفنية بفضل قاعدة جماهيرية متعاطفة، لكن في هذه الحالة، القاعدة نفسها انهارت تحت وطأة التسييس، خصوصاً مع وجود غادوت كوجه رئيسي للعمل.
السينما كساحة حرب رمزية
تجربة “سنو وايت” تثبت أن السينما لم تعد محايدة. فهي إحدى أدوات “القوة الناعمة” التي تستخدمها الدول لتكريس رواياتها. وحين يختار جمهور في أميركا اللاتينية أو أوروبا مقاطعة فيلم لأن نجمته تنتمي إلى طرف متهم بارتكاب إبادة جماعية، فهذا يعني أن السردية السياسية أصبحت أقوى من أي صورة بصرية أو حبكة درامية. في هذه اللحظة، يتحول الفن إلى ساحة حرب لا تقل ضراوة عن المعارك العسكرية.
دروس لهوليوود
فشل “سنو وايت” يقدم لهوليوود مجموعة من الدروس الاستراتيجية:
هوية الممثل السياسية لم تعد تفصيلاً ثانوياً، بل أصبحت عاملاً استثمارياً محفوفاً بالمخاطر.
شبكات التواصل جعلت أي موقف أو تغريدة سابقة قادرة على تقويض مستقبل عمل كامل.
إعادة إنتاج الكلاسيكيات بمرجعية “الصوابية السياسية” لم تعد ضمانة للنجاح، بل قد تنقلب إلى نقطة ضعف.
الأهم أن السينما اليوم واقعة بالكامل داخل ميدان “الحرب السردية” العالمية، حيث النفوذ يُقاس بقدرة الدولة أو المؤسسة على فرض روايتها وإقناع الجماهير بها.
إذن، فشل “سنو وايت” لم يكن مجرد خسارة مالية ضخمة بميزانية تجاوزت ربع مليار دولار، بل كان انعكاساً لزمن جديد تتقاطع فيه السياسة مع الفن بصورة لا لبس فيها. هو درسٌ بأن الجمهور لم يعد يقبل بفصل الشاشة عن الواقع، وأن الوعي العالمي المتشكل حول قضايا مثل غزة قادر على إسقاط أضخم مشاريع هوليوود. لقد تحوّل الفيلم من مشروع ترفيهي إلى مثال حيّ على أن السينما اليوم جزء لا يتجزأ من معركة السرديات في النظام الدولي.