في جنوب لبنان، حيث تتناثر آثار الدمار على الأرض وتعلو أصوات الصمود في السماء، تجتمع روح الشعب اللبناني في موائد الإفطار الرمضاني، كأنها لوحة فنية مرسومة بألوان الأمل والتحدي. هنا، في بلدة الخيام، حيث البيوت المدمرة تشهد على وحشية الحرب، يجتمع أهلها فوق الأنقاض ليصنعوا من لحظات الإفطار رمزًا للقوة، وإعلانًا بأن الحياة تستمر رغم كل شيء.

فوق الأنقاض، تُقام الموائد
في ظلّ سماء تجتاحها أصوات المسيرات الإسرائيلية، يعلو في الأفق مآذن الخيام كأنها حراس للأمل. هنا، حيث كانت البيوت يوماً ما عامرة بالحياة، أصبحت الآن ركامًا من الحجارة والذكريات. لكن أهل الخيام لم ينتظروا إعادة البناء ليحيوا حياتهم، بل قرروا أن يعيدوا الحياة إلى الدمار نفسه. فوق الأنقاض، تُفرش الموائد، وتُضاء الشموع، وتُعلو أصوات الضحكات والتهاني.
الإفطار هنا ليس مجرد وجبة، بل هو طقس يومي يعيد تعريف معنى الصمود. الأكل بسيط، لكنه مشبع بروح التضامن. الخبز، التمر، واللبن، كلها أطعمة بسيطة لكنها تحمل في طياتها معاني العمق والتاريخ. الأهالي يجلسون معًا، يتشاركون الطعام والحديث، وكأنهم يقولون للعالم: “نحن هنا، ولن نرحل”.

رمضان في الخيام: أكثر من صيام
رمضان في الخيام ليس مجرد شهر للصيام، بل هو شهر لإعادة تعريف معنى الإنسانية. هنا، حيث الحروب تترك جراحًا عميقة، يصبح الصوم تعبيرًا عن التضامن مع الألم، والإفطار تعبيرًا عن التمسك بالحياة. الصلاة هنا ليست مجرد طقس ديني، بل هي لحظة للتأمل في معنى الوجود والتحدي.
في ليالي رمضان، تتحول الأنقاض إلى مساحات للعبادة والأمل. المصلون يجلسون على الأرض، تحت النجوم، وكأنهم يصلون من أجل السلام. الأذان يصدح في الأجواء، مختلطًا بأصوات الطبيعة، كأنه يذكر الجميع بأن الروح أقوى من الجسد، وأن الإيمان أقوى من الخوف.

دلالات الصمود
الإفطار الرمضاني في الخيام هو أكثر من مجرد وجبة، إنه رسالة للعالم بأن الشعب اللبناني، رغم كل ما مر به، ما زال قادرًا على الصمود. هذه الموائد هي إعلان بأن الحرب، رغم قسوتها، لن تستطيع أن تسلب الإنسان إنسانيته.
هنا، في الخيام، يصبح الدمار خلفية لصورة الصمود، والأنقاض تتحول إلى منصة للأمل. كل لقمة تأكلها الأسرة هي إعلان بأن الحياة تستمر، وأن الروح الإنسانية أقوى من أي دمار.
بقلم رئيس التحرير / حسين عباس غزالة