لطالما راودت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فكرة ما يُسمى بـ”الشرق الأوسط الجديد”، وهي رؤية تستند إلى إعادة ترتيب المشهد الإقليمي سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا، بشكل يدمج إسرائيل ضمن محور إقليمي متصالح، ويُقصي القوى المعادية لمشاريعها. لكن في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، والمواقف العربية الشعبية والرسمية المتباينة، يُطرح سؤال محوري: هل سينجح نتنياهو في فرض رؤيته، أم أن العرب سيعيدون رسم الخريطة بقواعد جديدة؟
1. ما هو “الشرق الأوسط الجديد” في عيون نتنياهو؟
- دمج إقليمي بدون ثمن سياسي حقيقي: تطبيع مع الدول العربية دون تقديم حل عادل للفلسطينيين.
- محور استراتيجي ضد إيران: توحيد جبهة إقليمية (خليجية + إسرائيلية) ضد النفوذ الإيراني.
- تحالف أمني – تكنولوجي: توظيف التفوق الإسرائيلي في مجالات التكنولوجيا والاستخبارات لبناء شبكة مصالح متشابكة.
نتنياهو يرى أن الضعف العربي، والانقسام الفلسطيني، والتقارب الأميركي مع بعض الأنظمة، يُشكل بيئة مثالية لتنفيذ هذه الرؤية، خاصة عبر اتفاقيات “أبراهام”.
2. العوائق: هل يقبل العرب شرقًا أوسط جديدًا مفصلاً على مقاس إسرائيل؟
- غزة كشفت الحقيقة: الحرب الأخيرة أعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد، وفضحت هشاشة “السلام الدافئ” بين إسرائيل وبعض العواصم.
- الرأي العام العربي المقاوم: التظاهرات، حملات المقاطعة، والتضامن الشعبي، كلها تُظهر أن الشعوب لم تقبل بالتطبيع كمسلَّمة.
- صعود محور المقاومة: من غزة إلى لبنان وسوريا والعراق واليمن، هناك مقاومة فعلية على الأرض ترفض هندسة إسرائيل للمنطقة.
- التباين في الموقف العربي الرسمي: بعض الأنظمة طبّعت، بينما حافظت أخرى على مسافة حذرة، ما يُضعف أي تحالف عربي–إسرائيلي شامل.
3. هل يملك العرب مشروعًا مضادًا؟
حتى الآن، لا يبدو أن هناك مشروعًا عربيًا موحدًا وواضح المعالم يواجه رؤية نتنياهو. ومع ذلك:
- الرفض الشعبي والرمزي للتطبيع يشكّل أساسًا لمشروع بديل.
- صمود غزة والمقاومة يؤكد أن “إسرائيل الكبرى المطمئنة” ليست واقعًا دائمًا.
- إمكانية بناء محور عربي–إسلامي جديد قائم على الاستقلال السياسي ورفض الاندماج القسري مع إسرائيل.
4. المستقبل: من يكتب خريطة الشرق الأوسط؟
المعركة الحقيقية اليوم ليست فقط عسكرية، بل معركة رواية ورؤية.
- هل تقود إسرائيل مشروع تطبيع قسري بالقوة؟
- أم تنجح الشعوب في فرض واقع جديد ينطلق من الحق والعدالة؟
الصورة لم تكتمل بعد. ما هو مؤكد أن المشهد الإقليمي في حالة تشكّل، وأن إرادة الشعوب ستظل عاملاً لا يمكن تجاوزه، حتى لو حاولت بعض الأنظمة تجاهله.
“الشرق الأوسط الجديد” وفق نتنياهو هو مشروعٌ مبني على الغلبة العسكرية والتطبيع الإجباري، لكن الواقع العربي – رغم الانقسامات – يُثبت أن الكرامة الوطنية لا تزال حية.
فهل ينجح نتنياهو؟
ربما على المدى القصير، لكنه لن يصمد أمام حقيقة أن الشرق الأوسط لا يُرسم في تل أبيب وحدها، بل في غزة، وبيروت، ودمشق، وصنعاء، والشارع العربي الممتلئ بالرفض.