في السنوات الأخيرة، ظهرت تقارير وأبحاث تشير إلى وجود جزيئات البلاستيك في مياه الشرب، الأطعمة المعلبة، وحتى الهواء الذي نتنفسه. من بين هذه الجزيئات، يبرز مصطلح “النانو بلاستيك” كأحد أكثر الملوثات البيئية إثارة للقلق. ومع تزايد هذه التحذيرات، طرح البعض سؤالًا بالغ الأهمية: هل نحن بالفعل نأكل بلاستيك؟
أحد التصريحات التي أثارت الكثير من النقاش في هذا السياق كانت للأخصائية في التغذية الدكتورة انجي قصابية التي ظهرت على شاشة قناة الجديد مُصرحة: “نحن نأكل بلاستيك بكمية بطاقة ائتمانية كل أسبوع.” فهل هذا الكلام منطقي من الناحية العلمية؟ وهل يمثل تهديدًا حقيقيًا لصحتنا؟ في هذه المقالة، سنغوص في تفاصيل هذا الموضوع ونبحث عن إجابة علمية ومبنية على الأدلة.
البلاستيك والنانو بلاستيك: ما هو؟
البلاستيك هو مادة مصنوعة من بوليمرات صناعية تُستخدم على نطاق واسع في صناعة المنتجات الاستهلاكية مثل العبوات، الأدوات المنزلية، الملابس، وحتى مواد البناء. مع مرور الوقت، تتحلل المواد البلاستيكية إلى جزيئات أصغر وأصغر، ليصل بعضها إلى حجم جزيئات “النانو”، التي تتراوح في الحجم من 1 إلى 100 نانومتر. هذه الجزيئات صغيرة جدًا لدرجة أنه يمكنها اختراق العديد من الحواجز البيولوجية في الجسم، مما يثير المخاوف حول تأثيراتها المحتملة على الصحة.
كيف يدخل البلاستيك إلى طعامنا؟
من أين يأتي البلاستيك الذي نأكله؟ هناك عدة طرق يتسرب بها البلاستيك إلى طعامنا، أهمها:
- المياه المعبأة في الزجاجات: تشير بعض الدراسات إلى أن مياه الشرب المعبأة في عبوات بلاستيكية قد تحتوي على جزيئات نانو بلاستيك. عندما تتعرض العبوات البلاستيكية للحرارة أو الشمس لفترات طويلة، يمكن أن تتحلل المواد البلاستيكية وتدخل في الماء.
- الأطعمة المعلبة والمواد الغذائية المغلفة بالبلاستيك: في صناعة المواد الغذائية، يتم استخدام البلاستيك بشكل واسع لتغليف الطعام وحفظه. هذا البلاستيك قد يحتوي على مواد كيميائية تهاجر إلى الطعام، أو قد يتحلل إلى جزيئات صغيرة تصل إلى طعامنا.
- التلوث البيئي: من المعروف أن البلاستيك يشكل تهديدًا بيئيًا كبيرًا. المواد البلاستيكية تتفكك ببطء في البيئة، مما يؤدي إلى انتشار الجزيئات البلاستيكية في الهواء والماء والتربة. هذه الجزيئات قد تجد طريقها إلى سلسلة الغذاء من خلال النباتات والحيوانات التي تستهلكها.
كم من البلاستيك نستهلك؟
وفقًا لبعض الدراسات، يمكن أن يستهلك الشخص العادي كميات صغيرة من البلاستيك بشكل غير مباشر على مدار السنة. تشير بعض التقديرات إلى أننا قد نستهلك حوالي 5 جرامات من البلاستيك سنويًا، وهو ما يعادل تقريبًا حجم بطاقة ائتمانية. على الرغم من أن هذه الكمية قد تبدو ضئيلة، إلا أنها تثير القلق بشأن تراكم البلاستيك في الجسم على المدى الطويل.
فيما يتعلق بتصريح الأخصائية الذي يقول إننا نستهلك “بمقدار بطاقة ائتمانية كل أسبوع”، يجدر بالذكر أن هذه التقديرات لا تستند إلى دراسات دقيقة تثبت أن هذه الكمية تدخل إلى أجسامنا أسبوعيًا. الدراسات الحالية تقدر الكميات بشكل سنوي، وليس أسبوعيًا، وتظل هذه الأرقام محل نقاش داخل المجتمع العلمي.
تأثيرات النانو بلاستيك على الصحة
ما تزال التأثيرات الصحية للنانو بلاستيك قيد الدراسة. من المعروف أن جزيئات النانو بلاستيك تتمتع بحجم صغير يسمح لها بالانتقال عبر الخلايا والأنسجة، مما يجعلها قادرة على الوصول إلى أجزاء مختلفة من الجسم. بعض الدراسات الحيوانية أظهرت أن هذه الجزيئات قد تضر الأنسجة وتسبب التهابًا، مما قد يؤدي إلى مشاكل صحية على المدى الطويل.
أما بالنسبة للبشر، فإن الدراسات ما زالت في مراحلها الأولية، ولم يتم التوصل إلى نتائج حاسمة بشأن تأثيراتها. لكن، هناك مخاوف من أن النانو بلاستيك قد يسبب مشاكل صحية تتعلق بالجهاز المناعي أو حتى قد يكون مرتبطًا ببعض الأمراض مثل السرطان أو اضطرابات الجهاز الهضمي.
هل نحن بحاجة إلى القلق؟
بينما يشير البحث العلمي إلى أن تناول البلاستيك قد يكون مشكلة بيئية وصحية في المستقبل، فإنه من السابق لأوانه القول إن هذا يمثل تهديدًا خطيرًا في الوقت الحالي. الكميات التي يتم تناولها حاليًا من البلاستيك تعتبر صغيرة للغاية ولا يوجد دليل قاطع على أنها تشكل خطرًا صحيًا مباشرًا.
لكن من جهة أخرى، لا يجب أن نقلل من أهمية المشكلة البيئية التي يسببها البلاستيك. التلوث البلاستيكي في المحيطات والأنهار يمثل تهديدًا خطيرًا للنظام البيئي العالمي، ويمكن أن يكون له تداعيات غير مباشرة على صحة الإنسان عبر سلسلة الغذاء.
ما الذي يمكننا فعله؟
بينما لا يمكننا تجنب البلاستيك تمامًا في حياتنا اليومية، يمكن اتخاذ بعض الخطوات لتقليل تعرضنا له:
- تقليل استخدام البلاستيك: حاول استخدام الزجاج أو الألومنيوم بدلاً من البلاستيك في العبوات والتغليف.
- اختيار المياه في الزجاجات أو الفلاتر: إذا كنت تشرب المياه المعبأة، فاختر الزجاجات غير البلاستيكية، أو استخدم فلاتر مياه للمساعدة في تقليل التلوث البلاستيكي.
- الدعم للممارسات المستدامة: دعم الشركات التي تتبنى ممارسات بيئية مستدامة في تغليف منتجاتها.
في النهاية، رغم أن التصريحات حول تناول البلاستيك بكمية “بطاقة ائتمانية” قد تكون مبالغًا فيها بعض الشيء، إلا أن الموضوع يظل جديرًا بالاهتمام. مع استمرار الأبحاث في هذا المجال، ينبغي أن نبقى على دراية بالتحديات البيئية والصحية المرتبطة بالبلاستيك والنانو بلاستيك، مع اتخاذ خطوات ملموسة للتقليل من تعرضنا له قدر الإمكان.