في وقتٍ لا تزال فيه رائحة الرماد تعبق في الأرجاء، يعود الجنوب اللبناني إلى واجهة الحدث مع استحقاق الانتخابات البلدية والاختيارية، المقررة في الرابع والعشرين من أيار الجاري. الانتخابات التي تأتي بعد سلسلة من التأجيلات بسبب أزمات سياسية واقتصادية وصحية متلاحقة، تحولت اليوم إلى اختبار حقيقي للإرادة الشعبية في بلد أنهكته الأزمات والحروب، لا سيما في مناطقه الحدودية.
انتخابات في زمن الانهيار
من بين القرى التي تقف اليوم شاهدة على وحشية الحرب الأخيرة، تبرز بلدة “شمع” كنموذج صارخ للدمار. فالمحال التجارية أضحت ركاماً، والمنازل بلا سقوف، وحتى مقام “شمعون الصفا” حيث دارت أشرس المعارك وتعرض لتدمير وحرق لمقتنياته الدينية والأثرية من قِبل العدو الإسرائيلي ، لكنه بقي شاهداً على الإيمان والثبات.
يقول حسين صفي الدين ، أحد سكان البلدة العائدين من النزوح، إن العودة إلى شمع كانت أقرب إلى الصدمة: “كل شيء مدمّر. لا ماء، لا كهرباء، ولا حتى طرقات. ومع ذلك، سأصوّت. لا يهم من يفوز، المهم أن يعمل لأجلنا”.
خارطة انتخابية ميدانية
وفق الجدول الرسمي، بدأت الانتخابات البلدية على مراحل تمتد لأربعة أسابيع، على النحو التالي:
- 4 أيار: جبل لبنان
- 11 أيار: الشمال وعكار
- 18 أيار: بيروت، البقاع، بعلبك-الهرمل
- 24 أيار: الجنوب والنبطية
ويضم لبنان 1080 بلدية موزعة على 25 قضاء ضمن 8 محافظات، تقوم بدور محوري في توفير الخدمات الأساسية، ما يجعل الانتخابات المحلية حدثاً لا يقل أهمية عن الاستحقاقات الوطنية.
الإرادة تتحدى الخراب
في بلدة حولا الجنوبية، يتحدث علي قطيش بنبرة يملؤها الحنين والمرارة وهو يتأمل منزله الذي لم يبقَ منه سوى الجدران المحروقة: “الذكريات موجودة، حتى وإن زالت الجدران. سنصوّت من أجل الأمل، من أجل استعادة بلدتنا، فحولا ليست حجراً فقط، إنها وطن صغير”.
أما أحمد مصطفى، العائد من النزوح، فيرى أن هذه الانتخابات تمثل “معركة من أجل البقاء”، ويضيف: “نحن لا نطلب رفاهية، نطالب فقط بما يليق بالكرامة الإنسانية: مياه، كهرباء، مدارس، وطرقات”.
دعوة للنهضة من تحت الأنقاض
من ناحيته، يقر المرشح عن المقعد البلدي في بلدة عدلون الجنوبية، المهندس حسن غزالة، بصعوبة المهمة، ويقول: “نحن نعيش حالة استثنائية، أغلب المباني البلدية في القرى الحدودية مدمّرة، لكن رغم كل شيء، ستجرى الانتخابات. هي ليست مجرد استحقاق إداري، بل رسالة وطنية أن الجنوب لا ينكسر”.
المهندس حسن غزالة يرى في الانتخابات فرصة لإعادة البناء، لكنه يشدد على ضرورة أن تكون المجالس الجديدة “تكنوقراطية وفعالة”، وقادرة على تحريك عجلة التنمية في ظل ميزانيات شبه معدومة.
ويختم غزالة دعوته بالقول: “صوتكم هو فعل مقاومة، لا ورقة اقتراع فقط. لنثبت للعالم أن الجنوب يحيا من تحت الركام”.
الجنوب يكتب فصلاً جديداً من صموده، هذه المرة… عبر صناديق الاقتراع.