في أرض فلسطين، حيث تحتفل الشمس كل يوم بتسطير أمل جديد في سماء بلاد طالما جُبِلت بالآلام، يقبع الشعب الفلسطيني في صراع مستمر من أجل البقاء. ومنذ السابع من أكتوبر 2023، لم يكن الوضع إلا أكثر قتامة. في شمال غزة، وعلى طول الضفة الغربية، وفي كل زاوية من الزوايا المنكوبة، تُكتب فصول من المعاناة الإنسانية التي لا تُحتمل. إنَّ الاحتلال الإسرائيلي لم يكتفِ بتدمير البنية التحتية، بل عمد إلى تعطيل أبسط حقوق الإنسان، وفي مقدمتها حق الحياة، وحق الحصول على الرعاية الصحية.
الرعاية الصحية: حصار بلا رحمة
“في حالة طوارئ دائمة”، هكذا وصفت منظمة أطباء بلا حدود النظام الصحي في الضفة الغربية، بعد أن تحول هذا النظام إلى مجرد ظل لواقع صحي مهدد بالإفناء. مع تكثف الحصار الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، لم يقتصر الأمر على الحروب والدمار، بل كان ثمة أمر آخر يختبئ خلف الأنقاض: الحياة التي تُسرق من الفلسطينيين يومًا بعد يوم. المستشفيات التي كان ينبغي أن تكون ملاذًا، أصبحت حُصنًا محاصرًا تحت نيران قوات الاحتلال.
منذ بداية الحرب في أكتوبر، سجلت منظمة الصحة العالمية 694 هجومًا على الرعاية الصحية في الضفة الغربية. نعم، 694 مرة تم فيها استهداف المستشفيات، وسيارات الإسعاف، والعاملين في المجال الطبي، ليس بدافع الاحتكام إلى قانون أو ضرورة، بل بهدف تدمير الروح الفلسطينية المتجددة، تلك الروح التي ما زالت رغم الألم والموت تحتفظ بنبض الأمل.
إنَّ ما يتعرض له الفلسطينيون من عرقلة للوصول إلى الخدمات الطبية لا يعد مجرد تصرف عابر، بل هو جزء من سياسة ممنهجة تهدف إلى حرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية. فإسرائيل، التي تدعي الديمقراطية، لا ترى في الفلسطيني سوى رقم على ورقة، مجرم في نظرها لمجرد كونه فلسطينيًا.
المجازر تحت الشمس: الاحتلال والحصار
الأرقام تتحدث: 884 فلسطينيًا، بينهم مسلحون وغير مسلحين، قتلتهم القوات الإسرائيلية والمستوطنون في الضفة الغربية منذ أكتوبر 2023. هل يحق للفلسطيني أن يعيش في وطنه؟ هل يحق له أن يتمتع بكرامته وحياته؟ على الرغم من الألم، يظل الأمل يرفرف في قلوب هؤلاء الذين لا يملكون إلا إيمانهم بقدرة الله، ومع ذلك يستمر الاحتلال في تجفيف منابع الحياة، محاربًا كل محاولة للتقدم أو النهوض.
تقول منظمة أطباء بلا حدود: “نظام الرعاية الصحية الفلسطيني في الضفة الغربية أصبح أكثر ضعفًا، والنظام المجهد سابقًا أصبح الآن في خطر”. نصف الأدوية الأساسية نفدت، الرواتب توقفت، والعاملون في القطاع الصحي يواجهون ضغطًا مضاعفًا لا يُحتمل. إنهم يواجهون الموت أحيانًا في مواجهة آلام المرضى، وأحيانًا أخرى في مواجهة الموت نفسه على يد الاحتلال.
مقاومة الحياة: الأمل في وسط الظلام
لكن رغم كل هذا، يبقى الفلسطينيون، بكل قوتهم ودمائهم التي تسيل على الأرض، رمزًا حقيقيًا للصمود والمقاومة. في وجه هذه المعاناة اليومية، يتجمع الفلسطينيون حول بعضهم البعض، يتشاركون القليل الذي لديهم، يبتسمون رغم الجراح، ويبذلون كل ما في طاقتهم من أجل الحفاظ على حياة من تبقى.
إنَّ رمزية الرعاية الصحية في فلسطين لا تقف عند كونها مجرد خدمة صحية؛ بل هي قضية حق، قضية حياة لا بد من الحفاظ عليها. فكل مستشفى تُستهدف، وكل صاروخ يهدم العيادات، ليس فقط محاولة لقتل الجسد، بل هي محاولة للسيطرة على الروح، على الأمل، على الإنسان الفلسطيني في كل مكان.
عهد لن ينكسر
في وجه الظلام، يتسلح الفلسطينيون بالأمل، ويتشبثون بالحياة. ربما حُرموا من الكثير، ولكنهم لن يُحرموا من حلمهم في الحرية. إنَّ معركة الفلسطينيين ليست مجرد معركة على الأرض، بل هي معركة على الحق، معركة على إنسانية لا زال الاحتلال يحاول سرقتها منهم.
وفي النهاية، سيظل تراث فلسطين، تراث شعب مقاوم، نابض بالحياة، يتحدى الزمان والمكان، ليقول: “لن ننكسر”.
فريق التحرير