لطالما اتهم اللبنانيون، من مختلف انتماءاتهم الحزبية، بعضهم بعضاً بأنهم أجنحة خارجية في لبنان، وأن منظماتهم الحزبية تهدف بالدرجة الأولى لخدمة مصالح الخارج. وغالباً ما استُخدم هذا الاتهام ذريعة للخلافات الداخلية. ولكن إذا أردنا إعادة النظر، سنجد أن الأحزاب اللبنانية “رسمياً” هي لبنانية “لأكثر من عشر سنوات”. كذلك الحال بالنسبة لرؤسائها ومنتسبيها ومناصريها.
لكن عبر الزمن كانت تجربة وخطاب هذه الأحزاب كفيلة بكشف من هو تابع للخارج وتحت وصايته، ومن مارس واجبه ونشاطه الحزبي الوطني. وفي خضمّ التطورات الأخيرة الساعية لتسليم سلاح المقاومة وحصره بيد الدولة، والتي برزت ملامحها في الجلسات التي ترأسها كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، هذا المطلب الذي يعدّ في جوهره تنفيذ أو قبول لمطالب واشنطن والرياض وتدخلاتهم الواضحة في أمن لبنان وسيادته، الأمر الذي رفضه كل من أحزاب المقاومة وجمهورها، باعتباره تدخلاً خارجياً واضحاً وتهديداً لأمن لبنان وسلامة مواطنيه. وبطبيعة الحال، اعتُبر “تسليم الشرف” الذي عبّر عنه “محمد رعد”. وتجلّى ذلك في انسحاب وزراء حزب الله وحركة أمل من جلسات المناقشة لهذا القرار، في مسيرات بالدراجات النارية لمناصري المقاومة، وأخيراً بزيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني “علي لاريجاني” لمقر الرئيس نبيه بري في عين التينة، حيث شدد على احترام إيران لأي قرار تتخذه الحكومة اللبنانية بالتعاون مع المقاومة، وأن لبنان سيد قراره ولا تقبل طهران التدخل في شؤونه الداخلية. وذكّر لاريجاني الدولة والشعب اللبناني بأن العدو الأول والحقيقي للبنان هو إسرائيل، وأن حزب الله يشكّل رأس المال الدفاعي للبنان والضامن لمواجهة أي اعتداء. وأوضح أن سياسة إيران تقوم على دعم الدول المستقلة وتعزيز قدراتها، ولا تهدف إلى فرض أوامر أو خطط على لبنان، خلافاً لما يحاول الإعلام الغربي تصويره، مؤكداً استعداد بلاده للوقوف إلى جانب لبنان إذا طلبت الدولة ذلك.
من جهته، عبّر الرئيس جوزيف عون للاريجاني عن رفضه لأي تدخلات بالشأن اللبناني، الأمر الذي لم يحصل عند زيارة المبعوثين الأميركيين مورغان أوراغتس وتوم براك، وقبلهما آموس هوكستين. ولم يكن الرفض لمطالبهم طوال زيارتهم واضحاً مثلما كان عليه في ذلك اليوم مع الرئيس عون. ما يجعلنا نطرح أسئلة حول هذا الأداء، وفي وقت عبّر فيه أيضاً نائب القوات اللبنانية بيار بو عاصي عن رفضه لزيارة لاريجاني للبنان، معتبراً أن “ممنوع يدعس لبنان وبدو يعتذر”.
إذا أردنا المقارنة بين أداء حزب القوات اللبنانية في التعامل مع مبعوثي إيران ومع مبعوثي أميركا، يتّضح من هو فعلياً تحت الوصاية الخارجية، ومن ينفذ مطالب الخارج، ومن يعمل على تهدئة النفوس، وحماية مصالح لبنان، والدفاع عن شعبه بالسلاح والتفاوض المستمر.
إن التركيز على “التدخل الإيراني” باعتباره التهديد للبنان مع تجاهل تام لتحليق الطائرات المسيرة المعادية يومياً فوق الأراضي اللبنانية، خاصة بعد زيارة رئيس أركان الاحتلال لبلدة مركبا، أمر غير منصف، كما أن اتهام حزب الله بكونه جناحاً إيرانيّاً ومحاولة نزع سلاحه بناءً على مطالب خارجية لا يعكس الواقع.
وفي الختام، يبقى الأداء الوطني في الصميم هو المعيار الذي يحدد من يعمل لمصلحة لبنان ومن يُعدّ جناحاً للخارج، في وقت كان فيه الآخرون متغافلين عن اعتداءات يومية وتدخلات خارجية حقيقية مستمرة.