في السنوات الأخيرة، غزت البضاعة التركية أسواق المفروشات في لبنان والمنطقة، لتصبح في الصدارة من حيث الانتشار والحضور. هذا التحول لم يأتِ صدفة، بل نتيجة سياسات تسويقية قوية، أسعار تنافسية، وأساليب إنتاج تعتمد على الكميات الكبيرة والتصاميم العصرية. في المقابل، تراجعت صناعة المفروشات الوطنية، التي كانت يوماً ما عنواناً للجودة والتميّز.
المهندس علي نبيل فقيه، مدير فقيه غاليري وأحد أبرز الأسماء في عالم الديكور والمفروشات، يلخّص هذا المشهد بكلمات تعكس الأسى والحنين:
“كان جدّي الحاج علي فقيه، المعروف بأبو نبيل، ثم والدي الحاج نبيل من بعده، من الروّاد الأوائل في تجارة المفروشات في لبنان. ففي تلك الفترة، تميّزت الصناعة بكونها محلية خالصة، خصوصاً في طرابلس التي اشتهرت بحرفييها المهرة. يومها، كانت الجودة هي المعيار الأساس، ولكل قطعة قيمة حقيقية تتجاوز في أصالتها ما تمنحه بريق الماركات الأجنبية اليوم”

الحاج علي فقيه (أبو نبيل) عام ١٩٨٩ / خيزران جنوب لبنان
بين التجارة والإنتاج
ورغم هيمنة البضاعة التركية على الأسواق، يكشف فقيه أنّه ما زال يمتلك مصنعاً محلياً خاصاً به لتصنيع المفروشات، يحرص من خلاله على الحفاظ على الجودة والإتقان كعلامة فارقة للصناعة اللبنانية.
“نحن مستمرون في صناعة المفروشات اللبنانية، بنفس الحرفية والدقة التي ورثناها عن أجدادنا. لكنني كتاجر مضطر أيضاً إلى عرض البضاعة التركية في صالات العرض، لأن المستهلك يطلبها ويعتبرها بديلاً أرخص. هذه معادلة صعبة: المحافظة على الهوية والصناعة من جهة، ومجاراة السوق من جهة أخرى.”

حرفي ينقش الخشب / طرابلس شمال لبنان
صناعة طرابلس: حِرفة في مواجهة الانقراض
مدينة طرابلس كانت ولا تزال رمزاً في هذا القطاع، حيث اشتهرت ورشها بصناعة الأرائك والخشب المزخرف والأثاث المبطّن بدقة. لكن مع الانفتاح الكبير على الأسواق الخارجية، لم تستطع هذه الورش الصغيرة مجاراة الأسعار التركية، فاختفى العديد منها أو تحوّل إلى أعمال محدودة.
بين الماضي والحاضر
يرى فقيه أن الحل يكمن في “إعادة الاعتبار للحرفي اللبناني، ودعمه بالتسويق والمواد الأولية والتدريب، بدل تركه يواجه المنافسة منفرداً”. ويشير إلى أنّ هناك زبائن ما زالوا يقدّرون “القطعة اللبنانية الأصيلة”، لكن حجم هذه الفئة لا يكفي لإنعاش القطاع.

مهندس الديكور علي نبيل فقيه
مستقبل المفروشات اللبنانية
برأي المهندس فقيه، إنقاذ هذه الصناعة يتطلب تعاوناً بين الدولة والقطاع الخاص:
دعم مالي وحوافز ضريبية للورش والمصانع الصغيرة.
تسويق إبداعي يبرز الهوية اللبنانية في التصميم.
تشجيع المستهلك المحلي على تفضيل الصناعة الوطنية.
ويختم قائلاً:
“المفروشات التركية سيطرت على السوق، نعم، لكن تاريخنا العريق في هذا المجال لم يُمحَ. لدينا القدرة على استعادة الصدارة إذا عرفنا كيف نعيد الثقة بالمنتج الوطني.”