في عصرٍ بات فيه كلّ شيء قابلًا لأن يتحوّل إلى “ترند”، تبرز شخصية صغيرة تُدعى “Labubu” لتستولي على خيال المستخدمين، صغارًا وكبارًا، في العالم العربي.
للوهلة الأولى، تبدو مجرد دمية لطيفة، بعيون كبيرة وأذنين طويلتين. لكن في العمق، هي منتج مبرمج بعناية لاختراق وجدان الجيل الجديد، وبث قيم استهلاكية ناعمة تحت غطاء “الفن”.
ما هو Labubu؟ ولماذا يشغل الجميع؟
“لابوبو” هو إحدى شخصيات سلسلة “The Monsters” التي تنتجها شركة Pop Mart الصينية. تعتمد الشركة على نظام Blind Box، أي أن المشتري لا يعرف أي تصميم سيحصل عليه حتى يفتح العلبة. هذه التقنية التسويقية البسيطة جعلت من Labubu هوسًا عالميًا. من طلاب المدارس إلى المؤثرين على إنستغرام، ومن الأطفال في الصفوف الابتدائية إلى راشدين في وظائف مرموقة… الجميع يتسابق لاقتناء هذه “الدمى المفاجئة”. ما يثير استغراب علماء النفس والاجتماع، نظرًا للطابع الطفولي للشخصية.
الوجه الآخر لدمية Labubu
وراء المظهر اللطيف، يختبئ ما هو أعمق. تصميم Labubu الغريب، بعيونه الفارغة وابتسامته التي تجمع بين البراءة والغرابة، يُثير تساؤلات تربوية ونفسية. فبحسب خبراء علم النفس، تعتمد الشخصية على ما يُعرف بـ”التصميم المتناقض” حيث يُدمج اللطيف بالمخيف لإثارة نوع من التشويش الشعوري الذي يدفع الدماغ للارتباط بها عاطفيًا، حتى دون سبب منطقي.
خلفيات نفسية وتجارية معقدة
تتبع Pop Mart أسلوبًا تسويقيًا معتمدًا على علم النفس السلوكي، يشبه أسلوب المقامرة:
- لا يعرف المشتري محتوى العلبة مسبقًا.
- توجد تصاميم “نادرة جدًا” لا تظهر في الكتالوج.
- يُعاد الشراء مرارًا بدافع الفضول أو رغبة في الحصول على النسخة “الخاصة”.
هذه الآلية تحفّز ما يُعرف بـ”حلقة الدوبامين” أي الشعور بالمتعة المرتبطة بالصدفة والمفاجأة، مما يؤدي إلى سلوك إدماني لدى البعض، خاصة الأطفال والمراهقين. والأسوأ؟ أن العديد من البالغين انزلقوا في الدوامة نفسها، معتبرين جمع الشخصيات شكلاً من أشكال “الاستثمار الجمالي” أو “الراحة النفسية”.
ترند عالمي أم مؤامرة ثقافية ناعمة؟
تُسوَّق Labubu على أنها “فن تجميعي” وليس “لعبة أطفال”، ما يسمح لها بالالتفاف على قوانين الرقابة المتعلقة بلعب الأطفال. كما أن تصميمها الغريب لا ينتمي إلى أي بيئة ثقافية مألوفة، بل يجسّد نموذجًا بصريًا مُعلّبًا لا يمت لهويتنا بصلة.
يرى البعض أن ما يجري هو ترغيب ناعم ومدروس، يُعيد تشكيل أذواق الأجيال الشابة ويُبعدهم تدريجيًا عن الرموز البصرية والثقافية الأصيلة.
الذكاء الاصطناعي يوجّه الذوق العام؟
في خلفية هذا النجاح التسويقي، يقف الذكاء الاصطناعي. فتصاميم Labubu لا تُبتكر يدويًا فقط، بل تخضع لتحليلات بيانات مستمرة على وسائل التواصل. فإذا أظهر الجمهور إعجابًا بلون أو شكل معين، تقوم الشركة بإنتاج إصدار مطابق، لتعزيز التفاعل وزيادة المبيعات.
“هذا ليس فنًا بريئًا، بل علم نفس تطبيقي مراقب بدقة… إنه تسليع للعاطفة.”
– أ. حسين غزالة، فنان بصري وأكاديمي
الحل: التوعية وليس العزل
بدلًا من منع الأطفال من الانخراط في الترندات، يمكن اعتماد منهج تربوي متوازن:
- نقاش مفتوح حول الاستهلاك الواعي ومعنى “الشراء المفيد”.
- تقنين الشراء بدل تركه عشوائيًا.
- تشجيع اللعب الإبداعي الذي يتضمن المشاركة والفكرة.
- تقديم بدائل عربية جذابة تستند إلى الثقافة المحلية.
من يُربّي من؟
في عالم تتحكم فيه الترندات بتوجهات الأطفال والراشدين على حدّ سواء، لم تعد التربية مجرّد دور عائلي، بل أصبحت صراعًا مع مؤسسات تخلق وتغذّي الحاجة فينا.
لابوبو ليست مجرد دمية. إنها مرآة دقيقة لواقع استهلاكي يخلط بين الجمال والتسويق، وبين البراءة والتلاعب.
فهل نمتلك الوعي الكافي لنفصل بين اللعب والتأثير؟ بين التسويق والهوية؟