بقلوب يعتصرها الحزن، ودّع العالم فجر الثلاثاء 13 مايو 2025، واحداً من أبرز رموز التضحية والصدق السياسي في أمريكا اللاتينية؛ خوسيه “بيبي” موخيكا (1935–2025)، الذي وافته المنية عن 89 عامًا بعد صراع طويل مع سرطان المريء، كما أعلن الرئيس ياماندو أورسي عبر منصة إكس.
لم يكن موخيكا رئيسًا فقط، بل كان مُعلَّماً للفقراء وصوتًا للمقهورين. حين تسلم مقاليد الحكم بين 2010 و2015، اختار البساطة قصداً: عاش بعيدًا عن أضواء القصر الرئاسي في مزرعته جنوب مونتفيدو، واعتلى مقعد قيادة سيارة فولكسفاغن مهترئة. أما راتبه، الذي لم يتجاوز 1200 دولار شهريًا، فقد تبرّع بنحو 90% منه لبرامج إسكان إجتماعي، مؤمنًا بأن العطاء هو لغة القلوب قبل أن يكون قانونًا.
بدأ مسيرته شابًا، يحلم بالحرية والعدالة، فانخرط في حركة التوباماروس المسلحة ضد ديكتاتورية القمع. سُلبت منه سنوات حياته في السجون، حُرم فيها من ضوء الشمس وحقوق الإنسان الأساسية، واُختبر فيه الإيمان حين تعرّض للتعذيب والتحقيق الطويل. ولكن موخيكا خرج من الظلام محملاً بإيمانٍ أكبر بـالتسامح والحوار.
خلال ولايته، شرّع أفكارًا كانت تُعد ثورية؛ فكان أول رئيس في المنطقة يقنن زراعة وبيع الماريجوانا تحت رقابة الدولة، ساعيًا إلى كسر احتكار العصابات وتقليل الجريمة. وفي حديثه عن الفقر، رأى أنه “عيبٌ لا يُكسر بالنقود وحدها”، مؤكدًا أن “السعادة تنبع من القناعة”.
وودّع الأوروغويانيون والرأي العام العالمي قائداً استثنائيًا؛ رجل رفض السلطة كغاية، بل اعتبرها سُلّمًا للصعود بغيره. وفي كلمته الوداعية، خاطب موخيكا الحياة قائلاً: “المحارب يستحق أن يستريح”، فخاب ظن المرض في إرادته الصلبة.
اختتم الرئيس أورسي نعيه بتغريدة مؤثرة: “ودّعنا اليوم رفيقنا ومرشدنا. سنظل أحفادَ الأرض نستلهم من بساطتك ونبل أخلاقك.”
رحم الله الفلاح الثائر، الذي زرع بذور التغيير في قلوبنا قبل أن يغادرنا، مخلفًا إرثًا من الإنسانية والتواضع لا يعرفه إلا من تذوق طعم الحياة البسيطة.