في تطور خطير يعكس تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، أعلنت وزارة الدفاع القطرية عن نجاح منظومتها الدفاعية في اعتراض هجوم صاروخي استهدف قاعدة “العديد” الجوية، التي تعد من أهم القواعد الأمريكية في منطقة الخليج. الهجوم جاء رداً على ضربات أمريكية استهدفت مواقع نووية إيرانية، مما يضع المنطقة أمام مفترق طرق بين التصعيد الشامل والردود المحسوبة التي تحفظ ماء الوجه لكلا الطرفين.
الخلفية والسياق الإقليمي
الهجوم الإيراني يأتي بعد تصاعد غير مسبوق في التوتر بين طهران وواشنطن، على خلفية استهداف الأخيرة مواقع حساسة في إيران يُعتقد أنها مرتبطة ببرنامجها النووي. وفيما لم تسفر الضربات الأمريكية عن “نتائج استراتيجية ملموسة” بحسب مراقبين، جاء الرد الإيراني سريعاً وشكلياً، مستهدفاً قواعد أمريكية في كل من العراق وقطر – وتحديداً قاعدة “العديد”، التي تعتبر قلب الوجود العسكري الأمريكي في الخليج.
قطر، من جهتها، سارعت إلى إصدار بيانين – دفاعي وخارجي – يحملان إيران المسؤولية الكاملة عن “الاعتداء السافر” و”الانتهاك الصريح للسيادة”. اللافت في الموقف القطري هو تأكيده على “الاحتفاظ بحق الرد المباشر”، وهو أمر نادر في اللغة السياسية القطرية، ما يشير إلى تغير في نمط الخطاب الدفاعي بفعل تطور التهديد.
هل نحن أمام تصعيد مفتوح؟
من وجهة نظر استراتيجية، لا يبدو أن إيران تسعى لتوسيع المواجهة إلى حرب شاملة، بل تحاول ضبط إيقاع الرد بما يتناسب مع سياسة “الردع دون الانزلاق”. فاختيار أهداف معروف إخلاؤها مسبقاً، وتأكيد كل الأطراف على عدم وقوع خسائر بشرية، يشير إلى ما يشبه “الرد الرمزي” أكثر من كونه عملية عسكرية حقيقية.
وبالتالي، يمكن القول إن الرد الإيراني هو بمثابة رسالة موجهة أكثر منه عمل عسكري حاسم، تحاول من خلاله طهران أن تثبت قدرتها على الرد، دون تجاوز الخطوط الحمراء التي قد تستدعي تدخلاً أمريكياً واسع النطاق. وهذا ما يدفع كثيرين لاعتبار الأمر جزءًا من لعبة “حفظ ماء الوجه” المتبادل بين الطرفين.
قطر في قلب المعادلة الجيوسياسية
الضربة الإيرانية لقاعدة “العديد” تضع قطر في موقف دقيق: فهي دولة تستضيف أكبر وجود عسكري أمريكي في الشرق الأوسط، وفي الوقت ذاته تحافظ على علاقات منفتحة مع طهران. ومع أن رد وزارة الخارجية القطرية كان حاداً هذه المرة، إلا أن الدوحة تدرك جيداً أن التصعيد بين واشنطن وطهران قد يجعلها عرضة للاستهداف مجدداً، سواء بشكل مباشر أو بالنيابة.
تصريحات وزارة الدفاع القطرية حول الإخلاء المسبق للقاعدة تشير إلى تنسيق عسكري أمريكي–قطري عالي المستوى، وإلى أن الهجوم كان متوقعاً وربما تم التحضير له مسبقاً من قبل جميع الأطراف، مما يعزز فرضية الرد الرمزي وليس التصعيد المفتوح.
هل نجح الرد الأمريكي؟
من منظور عسكري، لم تحقق الضربات الأمريكية على المواقع النووية الإيرانية تأثيرًا رادعًا واضحًا، والدليل هو الرد الإيراني السريع. بل قد يرى البعض أن الرد الأمريكي جاء أضعف من المتوقع، مما أعطى طهران مجالًا للمناورة وإثبات القوة أمام جمهورها الداخلي والخارجي. وفي المقابل، فإن إدارة واشنطن تجد نفسها في موقف حرج: فهي مطالبة بإثبات حزمها دون أن تُتهم بإشعال فتيل حرب جديدة في المنطقة.
إلى أين تتجه المنطقة بعد هذه الأحداث الطارئة؟
في ضوء التصريحات القطرية التي طالبت بوقف جميع الأعمال العسكرية والعودة إلى الحوار، وفي ظل محدودية نتائج الهجمات الأمريكية والإيرانية، يبدو أن المنطقة تتجه نحو “تهدئة محسوبة”، لا أكثر. فمن الواضح أن لا واشنطن ولا طهران تسعيان إلى صدام شامل، بل إلى استعراض عضلات مدروس ضمن قواعد لعبة الردع المتبادل.
لكن استمرار مثل هذه العمليات يظل خطيراً، لأن خطأ في الحسابات – أو سقوط ضحايا مدنيين – قد يؤدي إلى تفجر الموقف بطريقة يصعب احتواؤها. كما أن دخول أطراف إقليمية أو ميليشيات موالية في مسرح العمليات قد يبدّل المعادلة بالكامل.
بين الرمزية والخطر الحقيقي
الهجوم الإيراني على قاعدة العديد لم يغير موازين القوى، لكنه وجه رسالة واضحة مفادها أن إيران لن تبقى صامتة تجاه الضغوط العسكرية الغربية. ومع أن الرد تم احتواؤه قطرياً وأمريكياً، إلا أنه يكشف هشاشة الأمن الإقليمي، وحجم المخاطر التي يواجهها الخليج كمسرح دائم لتصفية الحسابات الدولية.
يبقى السؤال الأهم: هل سيكون هذا الهجوم بداية مرحلة جديدة من التصعيد الرمزي؟ أم أننا نشهد آخر مشاهد التوتر قبل العودة إلى طاولة المفاوضات؟ الوقت وحده كفيل بالإجابة.