لطالما كانت الأمراض الوراثية والمستعصية تحديًا كبيرًا للطب البشري، حيث اقتصرت الجهود الطبية لسنوات طويلة على علاج الأعراض بدلًا من معالجة الأسباب الجذرية لهذه الأمراض. ومع التطورات الحديثة في علم الوراثة، بدأ الأمل يلوح في الأفق بفضل تقنيات مثل “كريسبر” (CRISPR)، التي قد تمثل مستقبل الطب في علاج الأمراض التي كان يُعتقد أنها غير قابلة للشفاء.
الأمراض الجينية: تحدي طبي مستمر
تتسبب الجينات البشرية في مجموعة واسعة من الأمراض، مثل السرطان، ألزهايمر، وفقر الدم المنجلي. هذه الأمراض غالبًا ما تكون ناتجة عن طفرات جينية أو خلل في تسلسل الحمض النووي (DNA). وعلى الرغم من أن العلم تمكن من تحديد الجينات المسؤولة عن العديد من هذه الأمراض، إلا أن الطب التقليدي كان يفتقر إلى الأدوات اللازمة لتصحيح هذه العيوب الجينية بشكل مباشر.
تقنية “كريسبر”: ثورة في العلاج الجيني
في قمة الويب 2025 التي عُقدت في الدوحة، قدم تريفور مارتن، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة “ماموث للعلوم البيولوجية”، شرحًا مفصلاً عن تقنية “كريسبر” وكيفية استخدامها لعلاج الأمراض الجينية. تعتمد هذه التقنية على آلية تسمح للعلماء بتعديل الجينات بشكل دقيق، مما يتيح إمكانية حذف أو إصلاح الجينات المسببة للأمراض.
تقنية “كريسبر” مستوحاة من آلية دفاعية طبيعية تستخدمها البكتيريا لحماية نفسها من الفيروسات. فعندما تهاجم الفيروسات البكتيريا، تقوم الأخيرة بقطع الأجزاء المصابة من الحمض النووي الخاص بها وإصلاحها. قام العلماء بتطوير هذه الآلية لتصبح أداة قوية لتعديل الجينات البشرية.
كيف تعمل تقنية “كريسبر”؟
تعمل تقنية “كريسبر” بشكل مشابه لتطبيقات تحرير النصوص. حيث يتم برمجتها للبحث عن تسلسل جيني محدد في الحمض النووي. بمجرد العثور على التسلسل المستهدف، تقوم الإنزيمات المتخصصة بقطع هذا التسلسل وإما حذفه أو استبداله بتسلسل صحيح. هذه العملية تسمح بإصلاح الطفرات الجينية المسببة للأمراض.
تطبيقات عملية: علاج فقر الدم المنجلي
أحد أبرز النجاحات التي حققتها تقنية “كريسبر” هو علاج فقر الدم المنجلي، وهو مرض وراثي ينتج عن طفرة في جين الهيموجلوبين. تم تطوير علاج يعتمد على “كريسبر” وتمت الموافقة عليه من قبل الجهات التنظيمية في الولايات المتحدة. هذا العلاج أثبت فعاليته في تصحيح الخلل الجيني ومنع ظهور المرض في بعض الحالات.
آفاق مستقبلية: علاج أمراض أخرى
بالإضافة إلى فقر الدم المنجلي، تفتح تقنية “كريسبر” آفاقًا واسعة لعلاج أمراض أخرى مثل السرطان، ألزهايمر، وأمراض القلب. على سبيل المثال، يمكن استخدام هذه التقنية لإزالة الجينات المسؤولة عن تكوين الخلايا السرطانية أو تعديل الجينات المرتبطة بتراكم البروتينات الضارة في الدماغ، والتي تسبب مرض ألزهايمر.
التحديات الأخلاقية والقانونية
على الرغم من الإمكانات الهائلة لتقنية “كريسبر”، إلا أنها تواجه تحديات أخلاقية وقانونية كبيرة. تعديل الجينات البشرية يثير تساؤلات حول حدود التدخل البشري في الطبيعة، بالإضافة إلى مخاوف تتعلق بالاستخدام غير الأخلاقي لهذه التقنية، مثل تحسين الصفات الجينية (تحسين النسل). هناك حاجة إلى تشريعات صارمة لضمان استخدام هذه التقنيات بشكل مسؤول وفعال.
*المصادر:*
1. مجلة “تقارير علمية” – 27 فبراير 2025.
2. محاضرة تريفور مارتن في قمة الويب 2025.
3. موقع شركة “ماموث للعلوم البيولوجية” (Mammoth Bioscience).
الخبر في الرابط ⬇️