في حدثٍ تاريخي يُجسّد عمق التأثير والارتباط العاطفي، شهد لبنان تشييعاً مهيباً للأمين العام السابق لحزب الله، السيد حسن نصر الله، حيث تجمّعت حشودٌ غفيرة لتوديع رمزٍ ترسّخ في قلوب الملايين. وفقاً لتقديرات موقع “إنتل سكاي”، فإن عدد المشاركين في التشييع قد بلغ 1.4 مليون شخص، وهو رقمٌ يُعتبر استثنائياً ليس فقط على مستوى لبنان، بل على مستوى العالم أجمع.
وبحسب الموقع، فإن هذا العدد الضخم يمثل ما يقارب 26.4% من إجمالي سكان لبنان، الذين يُقدّرون بنحو 5.3 مليون نسمة. هذه النسبة المرتفعة تُظهر مدى التأثير الكبير الذي تركه السيد نصر الله في نفوس اللبنانيين، وتُصنّف هذا التشييع كواحدٍ من أعلى معدلات المشاركة في العالم مقارنةً بعدد السكان.
تسونامي بشري في بيروت، لتشييع الشهيدين السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين
ولإبراز حجم هذا الحدث، أشار الموقع إلى مقارناتٍ تاريخية مع تشييعين بارزين: الأول هو تشييع الزعيم المصري جمال عبد الناصر عام 1970، والذي حضره حوالي 15% من سكان مصر، والثاني تشييع سي إن أندوراي الزعيم الهندي عام 1969، والذي شارك فيه نحو 5% من سكان الهند. هذه المقارنات تُظهر بوضوح أن تشييع السيد نصر الله قد تجاوز بكثيرٍ العديد من الأحداث التاريخية المشابهة، ليصبح الأكبر في تاريخ لبنان، ومن بين الأكثر أهمية على المستوى العالمي.
من جهته ذكر فريق موقع المسمار أن مئات الآلاف من اللبنانيين توافدوا من مختلف المناطق للمشاركة في تشييع الأمينين العامين السابقين لحزب الله، السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين. وقد قدّر المنظمون عدد الحضور بمليون و400 ألف شخص، وهو رقمٌ يعكس مدى الحزن الجماعي الذي اجتاح البلاد، فضلاً عن الاحترام العميق الذي يكنّه اللبنانيون لهذه الشخصيات التي تركت بصمةً لا تُنسى في تاريخهم الحديث.

هذا التشييع لم يكن مجرد حدثٍ جنائزي عادي، بل كان تعبيراً صادقاً عن ارتباطٍ روحي ووجداني بين الشعب وقائده. لقد تحوّل إلى منصةٍ للتعبير عن الحب والوفاء، وإلى شهادةٍ حية على الدور الكبير الذي لعبه السيد نصر الله في حياة ملايين اللبنانيين والعرب والأجانب، الذين خرجوا بأعدادٍ غفيرة ليُودّعوه بقلوبٍ مليئة بالحزن، ولكن أيضاً بالفخر والامتنان.

في هذا السياق، أجرى فريق موقع “المسمار” مقابلات مع بعض المشاركين في التشييع الذين اتوا من لبنان ودول عربية وإسلامية وأجنبية، لاستطلاع مشاعرهم وأفكارهم حول هذا الحدث التاريخي. قال الحاج ابو يوسف، أحد المشاركين من بيروت: “جئت اليوم لأن السيد نصر الله كان أكثر من قائدٍ سياسي؛ كان أباً لنا جميعاً. لقد علّمنا كيف نعيش بكرامة ونقاوم الظلم. اليوم، نحن هنا لنقول له شكراً على كل ما قدمه”.
أما بتول، والتي أتت برفقة أطفالها من الجنوب اللبناني، فقد عبّرت عن مشاعرها قائلة: “لقد فقدنا رمزاً كبيراً، لكن إرثه سيظلّ معنا. لقد كان صوت الفقراء والمظلومين، وسنحمل رسالته للأجيال القادمة”.
من جهته، قال علي، شابٌ في العشرينيات من عمره، والذي أتى سيراً على الأقدام من البقاع متحدياً البرد القارس والثلوج: “نحن جيلٌ تربى على قيم المقاومة التي غرسها السيد نصر الله فينا. اليوم، نحن هنا لنؤكد أننا سنواصل المسيرة، ولن نسمح لأحدٍ أن يمسّ بكرامتنا وحريتنا”.
كما تحدث فريق “المسمار” مع مشاركين من خارج لبنان، منهم إيما، شابةٌ تركية من محافظة “قارص”، التي قالت: “جئت من تركيا لأن السيد نصر الله كان رمزاً للمقاومة والعدالة في عالمنا. لقد ألهمني بخطاباته وشجاعته، وأردت أن أكون هنا لأعبر عن امتناني له”.

أما أحمد، مشاركٌ عراقي من بغداد، فقد قال: “السيد نصر الله كان قائداً ليس للبنان فقط، بل لكل الأمة. لقد وقف معنا في أحلك الأوقات، ونحن هنا اليوم لنعبر عن حبنا ووفائنا له”.
وأضاف عبدالسلام، مشاركٌ يمني من صنعاء: “لقد علّمنا السيد نصر الله أن الكرامة لا تُقاس بعدد الأسلحة، بل بقوة الإرادة والإيمان بالقضية. جئت من اليمن لأشارك في تشييع رمزٍ كان مصدر إلهامٍ لنا في نضالنا ضد الظلم”.

كما تحدثت شيلين، شابةٌ من إيرلندا، التي قالت: “جئت من دبلن لأنني أؤمن برسالة السيد نصر الله في الدفاع عن المظلومين. لقد كان صوته مسموعاً في كل أنحاء العالم، وأردت أن أكون هنا لأعبر عن تضامني مع الشعب اللبناني ومع كل من يؤمن بالعدالة والحرية”.
هذه الشهادات من مشاركين من لبنان والعراق واليمن وتركيا وايرلندا تُظهر أن تأثير السيد نصر الله تجاوز الحدود الجغرافية، ليمتد إلى قلوب الملايين في المنطقة والعالم. لقد كان تشييعه ليس مجرد وداعٍ لقائد، بل كان احتفاءً بإرثٍ إنساني وسياسي سيظلّ خالداً في ذاكرة لبنان والعالم. السيد حسن نصر الله قد رحل جسدياً، لكن روحه وإرثه سيظلان حاضرين في كل شارعٍ وكل قريةٍ وكل قلبٍ في لبنان وخارجه.
فريق التحرير