في قلب شارع الحمرا البيروتي، حيث كانت السينما والمسرح جزءاً من يوميات المدينة، تعود سينما الكوليزيه العريقة لتفتح أبوابها من جديد بعد عقود من الإقفال. هذا الصرح الثقافي الذي شُيّد عام 1945 واحتضن في زمنه الذهبي أهم الإنتاجات العربية والأجنبية، سيُعاد تدشينه في 13 أيلول/سبتمبر المقبل ليصبح فضاءً للمسرح الوطني اللبناني، بالتوازي مع انطلاق مهرجان لبنان المسرحي الدولي للمونودراما بمشاركة فرق عربية وعالمية.
الفنون كفعل مقاومة
الممثل والمخرج قاسم إسطنبولي، مؤسس “المسرح الوطني اللبناني”، شدّد على أن عودة الكوليزيه ليست مجرد استعادة لصالة سينما قديمة، بل خطوة في معركة ثقافية تهدف إلى مواجهة الأوضاع الصعبة التي يعيشها لبنان. فالمسرح، بحسب قوله، لم يعد نشاطاً فنياً فقط، بل فعل مقاومة بحد ذاته، ورسالة تضامن مع الجنوب وغزة وكل الشعوب التي تناضل من أجل الحرية والكرامة.
مهرجان طرابلس: فسيفساء فنية
المشهد المسرحي لا يقتصر على بيروت وحدها. ففي طرابلس، شهد المهرجان الدولي للمسرح سلسلة عروض تنوعت بين كرنفالات شارع، ورش رسم، عروض فولكلورية مهداة إلى غزة، وأداءات فنية منوعة امتزج فيها الرقص بالموسيقى والحكايات الشعبية. تكريم الفنان الراحل نبيه أبو الحسن، صاحب شخصية “أخوت شاناي” الشهيرة، شكّل محطة أساسية، حيث اعتبره إسطنبولي وغيرُه من الفنانين وجهاً مسرحياً لا يُنسى وضميراً ظل ينبض في ذاكرة الناس.
مشروع ثقافي عابر للمناطق
“جمعية تيرو للفنون”، بقيادة مجموعة من الشباب المتطوعين، تواصل مشروعها الطموح لإحياء الصالات المهجورة وتحويلها إلى مراكز ثقافية مفتوحة أمام الجميع. فبعد إعادة ترميم سينما “الحمرا” و”ستارز” في النبطية، و”ريفولي” في صور، و”أمبير” في طرابلس، ها هي اليوم تعيد الكوليزيه إلى الحياة في قلب العاصمة. هذه الجهود لا تهدف فقط إلى استعادة الأبنية، بل إلى كسر المركزية الثقافية وربط الشمال بالجنوب وبيروت ضمن شبكة من المساحات الفنية الحية.
نحو مشهد ثقافي متجدد
الجمعية لم تكتفِ بالمهرجانات المسرحية، بل أطلقت على مدى السنوات الماضية سلسلة من الفعاليات المتنوعة: من السينما الجوالة، إلى مهرجانات الموسيقى والفنون التشكيلية، مروراً بمهرجانات الحكواتي والرقص المعاصر. الهدف، كما يوضح إسطنبولي، هو ترسيخ المسرح الوطني اللبناني كمشروع جامع يفتح الأبواب أمام المخرجين الشباب، ويعزز التبادل الثقافي مع العالم.
بيروت تستعيد دورها
إعادة افتتاح الكوليزيه في شارع الحمرا ليست مجرد عودة لصالة سينما قديمة، بل استعادة لروح مدينة طالما كانت مركزاً للفنون. وبفضل حماسة المتطوعين وإصرارهم على مقاومة اليأس، تُستعاد الذاكرة المسرحية في زمن صعب، لتؤكد أن بيروت، ثاني مدينة في تاريخ لبنان من حيث عدد صالات السينما بعد طرابلس، لا تزال قادرة على أن تحلم وتضيء عتمتها عبر المسرح والفن.