في قلب بيروت، بين أزقة زقاق البلاط القديمة، حيث تختلط أصوات المدينة بحكاياتها، تقف ذكرى بيت صغير كان يومًا مأوى لروحٍ تتناغم مع الأمل والفرح والحزن. هذا البيت، الذي احتضن بدايات فيروز، صاحبة الصوت الذي أعاد للغناء العربي هيبته وجماله، هو اليوم على أعتاب أن يصبح متحفًا. خطوة جديدة حملتها وزارة الثقافة اللبنانية بتنسيق مع المؤسسة الوطنية للتراث، لتفتح أبواب هذا المكان التاريخي أمام الزوار، وتحوله إلى معلم ثقافي يحتفي بمسيرة فنية خالدة.
منذ عام 2022، كانت الفكرة تراود القلوب والعقول: كيف يمكن تكريم هذه الفنانة التي مثلت لبنان بكل جوارحها، وخلّدتها أغانيها في وجداننا جميعًا؟ كيف يمكن أن نعيد الحياة لهذا البيت البسيط، الذي نشأت فيه فيروز، لكي يظل شاهدًا على مراحل حياتها وتطورها الفني؟ واليوم، أصبح الجواب أكثر وضوحًا: بتحويل هذا البيت إلى متحف يروي قصتها، ويجمع بين جدرانه عبق الماضي، ويأخذ الزوار في رحلة عبر الزمن.
المشروع، الذي تم الموافقة عليه أخيرًا، يتضمن شراء المنزل وترميمه، بحيث يصبح مكانًا يروي قصة فيروز بكل تفاصيلها. لن يكون مجرد متحف يضم ذكريات الفنانة اللبنانية، بل سيكون مساحة تنبض بالحياة، وتحتفل بكل لحظة من لحظات مسيرتها الفنية، التي بدأت من هذه الزقاق البسيط، وانتقلت إلى العالم بأسره.
إضافة إلى الترميم، ستتم إضافة سردية زمنية شاملة لمراحل إنتاج فيروز، وأغانيها الشهيرة التي أسرت قلوب الملايين، إلى جانب قصصها الشخصية والمهنية مع الفنان الراحل عاصي الرحباني. هذا المنزل لن يكون مجرد مكان للعرض، بل هو أيضًا نقطة تلاقي للمحبين والمهتمين بتاريخ لبنان الثقافي والفني، فسوف يظل حاملاً لذكريات نشأة فيروز الفنية، وفي نفس الوقت يحتفل بالعلاقة الوثيقة بين الموسيقى والحياة.
وزير الثقافة اللبناني، محمد بسام مرتضى، تحدث عن هذا المشروع بكثير من الحماس والاهتمام، مؤكدًا أن هذا السعي بدأ منذ عام 2022، وأن الاتفاق مع المؤسسة الوطنية للتراث كان خطوة ضرورية لتحقيق هذا الهدف الثقافي. البيت التراثي، الذي سيتم ترميمه بعناية، سيكون جاهزًا لاستقبال الزوار الذين سيجدون في جدرانه ليس فقط تاريخ فيروز، بل ذاكرة بيروت ذاتها، مدينة الشهداء والفن والثقافة.
إن هذا المشروع هو أكثر من مجرد متحف؛ هو تكريم لفنانة جعلت من صوتها جسرًا بين الأجيال، وأعادت تعريف الموسيقى العربية. هو رسالة لبيروت، وللبنان، وللعالم، بأن الفن قادر على أن يكون شاهدًا على الزمن، وحارسًا لذاكرة الشعب.
سيظل هذا المتحف، الذي سيولد من رحم التاريخ، يعكس في تفاصيله روح فيروز وحبها للبنان، ويخلّد ذكراها في أبهى صورة. في هذا المكان، ستظل أصداء أغانيها، مثل “زهرة المدائن” و”كيفك إنت”، تحكي قصتها، وتروي للبشرية كيف أن الفن يمكن أن يحمل الأمل في أصعب اللحظات، وكيف أن صوتًا واحدًا يمكن أن يغير العالم.
بقلم رئيس التحرير / حسين عباس غزالة