في يومٍ لن يُنسى، هزّ خبر اغتيال السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، أركان العالم العربي والإسلامي. لم يكن رحيله مجرد فقدان لقائد سياسي أو عسكري، بل كان خسارةً لإنسانٍ حوّل أحلام الأمة إلى واقع، وأعاد للأمة كبرياءها. لقد كان نصر الله أكثر من مجرد قائد؛ كان رمزًا للمقاومة، وشعلةً للكرامة، وصوتًا للضعفاء الذين لم يكن لهم صوتٌ سواه.
العالم العربي والإسلامي يبكي قائده
تحت سماءٍ رمادية تذرف دموعها، شهدت شوارع بيروت مشهدًا مهيبًا لم تشهده من قبل. آلاف المشيّعين توافدوا من كل حدبٍ وصوب، من قرى الجنوب البعيدة إلى سهول البقاع، ومن جبال الشمال إلى شواطئ الساحل. كلٌّ جاء حاملًا في قلبه جرحًا، وفي عينيه دمعة، وعلى لسانه كلمة وفاءٍ للقائد الذي وهب حياته للقضية.
لم توقفهم الأمطار الغزيرة التي غمرت الشوارع، ولا الرياح العاتية التي حاولت أن تعيق خطواتهم. ساروا على الأقدام، متحدين البرد القارس، ليُودّعوا الرجل الذي كان دائمًا في الصفوف الأمامية، يدافع عنهم ويحميهم، سماحة الشهيد السيد حسن نصر الله والشهيد السيد هاشم صفي الدين الأمين العام للحزب التي اغتالته إسرائيل أيضاً. من بين الحشود، برزت قصصٌ تذكّرنا بقوة الإرادة الإنسانية، مثل الحاج أبو نزار سعادة، الذي قطع مسافةً طويلةً ماشيًا من بلدة عربصاليم في النبطية، ليُشارك في تشييع قائده. كان يقول: “لو كان الثمن حياتي، لكنتُ قدّمتُها من أجل أن أكون هنا اليوم.”
قائدٌ من قلب الشعب
كان نصر الله قريبًا من الناس، يعيش همومهم، ويشاركهم أفراحهم وأتراحهم. كان يتحدث بلغة القلب، لغة يفهمها الفقير قبل الغني، الصغير قبل الكبير. لم يكن قائدًا يجلس في برجه العاجي، بل كان ينزل إلى الشارع، يلمس جراح شعبه، ويُشعرهم بأنهم ليسوا وحدهم. لقد كان الصوت الذي يرفع صوت المظلوم، والسند الذي يستند إليه المحروم.
تحت قيادته، تحوّل حزب الله من مجموعة صغيرة إلى قوةٍ تُحسب لها ألف حساب. لم يكن هذا التحول نتيجةً للقوة العسكرية فحسب، بل كان نتاجًا لإيمانٍ عميقٍ بالعدالة، وإصرارٍ على أن تكون كلمة الحق هي العليا. كان نصر الله يؤمن بأن المقاومة ليست خيارًا، بل هي طريق الحرية والكرامة.
موجةٌ من الحزن تعبر الحدود
لم يقتصر الحزن على لبنان فحسب، بل امتدّ ليعبر الحدود، ويصل إلى كل قلبٍ ينبض بالعروبة والإسلام. تدفقت برقيات التعزية من قادة الدول والمنظمات، كلٌّ يعبّر عن خسارته الشخصية لفقدان هذان القائد العظيم. لكن الأكثر إثارةً للدهشة كان الحشود التي جاءت من كل مكان، من اليمن إلى العراق، ومن إيران إلى البحرين، ومن الكويت إلى مسقط. أكثر من 400 ألف شخصٍ تركوا بيوتهم، وتحملوا مشاق السفر وتكاليفه الباهظة، ليُشاركوا في وداع القائد الذي كان بالنسبة لهم أبًا روحيًا وقائدًا ملهمًا.
إرثٌ لا يُنسى
رحيل نصر الله ترك فراغًا كبيرًا في قلوب الملايين، لكن إرثه سيظل حيًا في ذاكرة الأمة. لقد علّمنا أن القوة ليست في السلاح فحسب، بل في الإيمان بالقضية، وفي الوحدة التي تجمعنا. لقد كان يقول دائمًا: “إلى اللقاء مع انتصار الدم على السيف، إلى اللقاء في الشهادة، إلى اللقاء في جوار الأحبة.” اليوم، نعاهد روحه الطاهرة أننا سنكمل المسيرة، وأن دمه لن يذهب سدى.
إلى اللقاء يا قائد الأمة
في النهاية، لم يكن نصر الله مجرد قائد، بل كان رمزًا للصمود، وشعلةً للأمل، ورسالةً للعالم بأن الأمة التي تؤمن بحقها لن تُهزم. اليوم، تُغمض بيروت عينيها على قائدها، لكنها تعلم أن روحه ستظل تُلهم الأجيال القادمة، وأن كلماته ستظل تُرنّ في آذان كل من يؤمن بالحرية والعدالة.
“إلى اللقاء مع انتصار الدم على السيف، إلى اللقاء في الشهادة، إلى اللقاء في جوار الأحبة…”
فريق التحرير