مع تسارع وتيرة الحياة وتزايد الاعتماد على الوجبات السريعة والنمط الغذائي غير المتوازن، باتت مشكلات الحموضة والارتجاع المعدي المريئي من الشكاوى الشائعة بين الناس. وفي مواجهة هذه الأعراض المزعجة، لجأ كثيرون إلى أدوية الحموضة، وتحديدًا “مثبطات مضخة البروتون” (PPIs)، كحلّ سريع وفعّال.
لكن خلف هذا “الحل المؤقت”، تُطلق الدكتورة سالي مطر، أخصائية التغذية المتخصصة في صحة الجهاز الهضمي، تحذيرًا واضحًا: الاستخدام المزمن وغير المنضبط لهذه الأدوية قد يُشكّل خطرًا صامتًا على صحة الجهاز الهضمي، بل وعلى الجسم ككل.
الراحة التي تُخفي الخطر
توضح الدكتورة مطر أن مثبطات مضخة البروتون تعمل على تقليل إنتاج الحمض المعدي، ما يوفّر راحة سريعة وفعالة للمرضى الذين يعانون من الحموضة والارتجاع. إلا أن هذه الراحة قد تكون خادعة إذا طالت لأشهر أو سنوات، حيث يبدأ الجسم بدفع الثمن في صمت.
وتشير إلى أن تقليل حمض المعدة بشكل مفرط يُضعف خط الدفاع الطبيعي في الجهاز الهضمي، مما يفتح المجال أمام نمو البكتيريا الضارة ووصولها إلى الأمعاء. “هذا الخلل في التوازن الميكروبي قد يؤدي إلى التهابات مزمنة، ضعف في المناعة، وحتى أمراض قلبية على المدى الطويل”، تؤكد مطر.
استخدام ضروري… ولكن بشروط
لا تنكر الأخصائية أهمية هذه الأدوية في بعض الحالات الطبية الحرجة مثل قرحة المعدة، أو عند الإصابة ببكتيريا Helicobacter pylori، أو حتى خلال فترات العلاج القصيرة. لكن ما يُقلقها هو تحول هذه الأدوية إلى “رفيق دائم” للعديد من المرضى دون مراجعة طبية دورية، أو البحث عن بدائل غذائية وسلوكية.
وتضيف: “الدواء يجب أن يكون مرحلة انتقالية، وليس أسلوب حياة. على المرضى التوجه إلى أطبائهم لتقييم الحاجة الحقيقية للاستمرار به، والعمل على تحسين نمط حياتهم لتقليل الاعتماد عليه.”
عندما يصبح التوقف صعبًا
في حالات كثيرة، يقرر المرضى التوقف عن أدوية الحموضة ليكتشفوا عودة الأعراض بشكل مضاعف، وهو ما يُعرف بظاهرة “الارتداد الحامضي الارتكاسي”. هذا الأمر، بحسب مطر، طبيعي ومتوقع ويجب التعامل معه بخطة تدريجية ومدروسة وليس بالعودة العشوائية إلى الدواء.
بدائل غذائية وسلوكية فعّالة
في هذا الإطار، تقترح الدكتورة سالي مطر مقاربة متعددة الجوانب تشمل:
- تعديلات في النظام الغذائي: تجنب المأكولات الدسمة، الحمضية، والمقلية، وتناول وجبات خفيفة ومتكررة.
- نمط الحياة: رفع الرأس عند النوم، تجنب الاستلقاء بعد الأكل، وممارسة الرياضة بانتظام.
- مراقبة التوتر: كونه من العوامل المحفزة للحموضة.
- التوقف التدريجي عن الدواء: عبر تقليل الجرعة تدريجياً بالتعاون مع الطبيب المختص.
رسالة توعوية ضرورية
تختم مطر رسالتها بنداء مباشر للمرضى: “من حقكم تعيشوا براحة، ولكن لا تسمحوا للدواء أن يتحوّل إلى عادة تضعف أجسامكم بصمت. توجّهوا نحو حلول أكثر توازناً وأماناً.”
في ظل تصاعد الاعتماد على الأدوية في معالجة الأعراض دون معالجة الأسباب، تأتي تحذيرات الاختصاصيين كجرس إنذار يعيد توجيه البوصلة نحو الوقاية، الوعي، والتغذية كأداة علاجية أساسية في زمن الحبة السريعة.