في إنجاز طبي غير مسبوق، أصبح طفل يبلغ من العمر تسعة أشهر ونصف أول إنسان يتعافى باستخدام علاج تعديل جيني مُخصص تمامًا لحالته، مما يفتح آفاقاً واعدة لعلاج آلاف الأمراض الوراثية النادرة التي ظلت مستعصية لعقود.
تشخيص قاتم… وفرصة أخيرة
الطفل، المعروف باسم “كيه جيه”، وُلد بطفرة نادرة للغاية تُعرف باسم نقص إنزيم CPS1، وهو اضطراب جيني قاتل يصيب طفلاً واحداً من بين كل 1.3 مليون. أكثر من نصف الأطفال المصابين بهذا الاضطراب يموتون خلال الأسبوع الأول من حياتهم، ومن ينجُ منهم غالباً ما يواجه إعاقات ذهنية وجسدية شديدة، وحاجة حتمية لزراعة الكبد.
عندما تم التشخيص في مستشفى الأطفال بفيلادلفيا، عُرض على الوالدين خيار الرعاية التلطيفية، لكنهما قررا المجازفة بفرصة أخيرة لإنقاذ حياة ابنهما.
حقنة واحدة… صنعت التاريخ
بدلاً من الاكتفاء بالعلاج التقليدي، تلقى كيه جيه حقنة مصممة خصيصاً له، تحتوي على علاج يستهدف الطفرة الجينية الدقيقة التي يعاني منها. وقد صُمم العلاج باستخدام تقنية متطورة تُعرف بـ “تحرير القواعد”، وهي تقنية تعديل جيني دقيقة تستطيع تصحيح “حرف” خاطئ واحد في الحمض النووي من بين ثلاثة مليارات.
كيف يعمل العلاج؟
تم تغليف العلاج داخل جزيئات دهنية دقيقة تحميه من التحلل في الدم وتوصله بدقة إلى الكبد، حيث يتم التعديل الجيني. ويحتوي العلاج على إنزيم يوجّه الخلايا لإصلاح الجين، إلى جانب نسخة معدّلة من تقنية كريسبر (CRISPR) تعمل مثل نظام GPS جزيئي يبحث عن الخطأ الجيني ويصحّحه بدقة متناهية.
ما وراء كيه جيه: بوابة لعصر علاجات مخصصة
بحسب الدكتور بيتر ماركس، المدير السابق لإدارة الغذاء والدواء الأميركية، فإن هذا العلاج يشكّل “ثورة حقيقية”، إذ يضع نموذجًا جديدًا لتطوير علاجات جينية مخصصة بسرعة وبتكلفة أقل، مما قد يُغير قواعد اللعبة بالنسبة لأكثر من 30 مليون أميركي يعانون من أكثر من 7000 اضطراب وراثي نادر.
في السابق، كانت الشركات تتردد في الاستثمار في علاجات لأمراض لا تصيب سوى عدد قليل من الأشخاص. أما الآن، فإن نجاح علاج كيه جيه قد يدفع العالم إلى عصر الطب المصمم حسب الجينات — حيث يتم إنتاج علاجات حسب الطفرة الفريدة لكل مريض.