
لطالما ارتبط فن الثقوب الجسدية بالثنائية الشهيرة: “الألم والجمال”. في كتب الأنثروبولوجيا، يوصف الثقب كطقس قديم يترافق مع التحمل الجسدي، بينما في الإعلام المعاصر يُقدَّم كموضة جريئة لا تخلو من الوجع. لكن الفنانة الفلسطينية الأصل الشابة سارة عمران تطرح رؤية مختلفة، تُعيد صياغة التجربة بعيدًا عن الألم، لتصبح مساحة جمالية آمنة وناعمة.
الثقب في السياق الثقافي
في العديد من الثقافات التقليدية (الهندية، الإفريقية، وحتى العربية قديمًا)، كان الثقب مرتبطًا بالهوية الاجتماعية أو الدينية. في المقابل، في الثقافة الغربية المعاصرة ظهر كرمز للتمرد أو التميز الفردي.
لكن مع الانتشار الواسع عبر المشاهير ووسائل التواصل، أصبح الثقب اليوم أداة للتجميل الشخصي أكثر من كونه “طقسًا”.
سارة تؤكد أن هذه النقلة انعكست على عملها:
“معظم عملائي لا يبحثون عن إثبات قوة أو تحمل ألم. يبحثون عن لمسة جمال تُكمل شخصيتهم. وهذا ما أحبه في عملي.”
الجانب النفسي: الثقة لا الألم
دراسات علم النفس الاجتماعي تشير إلى أن التغيير في الجسد (وشم، ثقب، تسريحة جريئة) يمنح الفرد إحساسًا بالتحكم في صورته الذاتية.
سارة تترجم هذا الجانب بشكل عملي:
“الزبون عندما يخرج من عندي وهو مرتاح، من غير ألم أو خوف، يكتسب ثقة مضاعفة. يشعر أنه تحكم بمظهره وأضاف شيئًا جميلاً دون أن يعاني.”
هنا نجد أن فلسفتها تنسجم مع النظريات التي ترى أن الزينة الجسدية ليست مجرد موضة، بل وسيلة لإعادة تعريف الذات.
الجانب الجمالي: الدقة قبل الجرأة
في الأبحاث المتعلقة بجماليات الجسد، يُذكر أن الثقب يُبرز ملامح معينة (العينين، الشفاه، أو خط الأنف). سارة تضيف على ذلك البعد الفني الخاص بها:
“أنا أرى الوجه لوحة فنية. لا أتعامل مع الثقب كشيء عشوائي، بل كخط مرسوم بعناية ليُكمل التوازن. الاختيار الصحيح للمكان والقطعة قد يغيّر شكل الشخص بالكامل.”
بهذا، يتحول عملها إلى فن بصري دقيق، لا مجرد ممارسة تقنية.
الجانب الصحي: العلم في خدمة الفن
توصيات الهيئات الطبية تؤكد أن نجاح الثقب يعتمد على:
التعقيم الكامل للأدوات.
اختيار معادن مضادة للحساسية (كالتيتانيوم أو الذهب الطبي).
العناية اللاحقة بالموضع.
سارة تُبرز هذا الجانب بوعي:
“أنا مسؤولة عن راحة العميل وصحته. لذلك أحرص أن تكون التجربة بلا ألم، وبأعلى معايير النظافة. الجمال لا قيمة له إذا ترافق مع مضاعفات.”
قصص وتجارب: عندما يصبح الثقب سردية شخصية
البحث الأنثروبولوجي يؤكد أن كل ثقب يحمل قصة فردية. تجربة سارة مع عملائها تكشف ذلك بوضوح:
فتاة رأت في الثقب لمسة أنوثة هادئة بعد فترة خجل طويل.
شابة أخرى أرادت قطعة صغيرة في الأذن لتشعر بأنها أكثر تميّزًا في عملها الفني.
“بالنسبة لهم، الثقب لم يكن تحديًا للألم، بل طريقة بسيطة لإضافة معنى جديد لحياتهم.”
أخيراً، بينما ظل الثقب لعقود يُقدَّم كاختبار للألم أو رمز للجرأة، تثبت تجربة الفنانة الشابة سارة عمران أن الأمر يمكن أن يكون مختلفًا. في رؤيتها، هو فن راقٍ بلا خوف، تجربة جمالية دقيقة وناعمة، تمنح الثقة وتضيف لمسة من التفرد دون أي معاناة.
هكذا يتحول الثقب من ثنائية “الألم والجمال” إلى معادلة جديدة: “الراحة والجمال”.