أعادت الضربة الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت اجتماعًا في العاصمة اليمنية صنعاء، وأسفرت عن اغتيال رئيس حكومة صنعاء أحمد غالب الرهوي وعدد من الوزراء، خلط الأوراق في مشهد الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة أنصار الله (الحوثيين). التصريحات النارية التي أطلقها مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى في صنعاء، حول دخول مرحلة جديدة من المواجهة، تفتح الباب أمام تساؤلات جادة: هل نحن على أعتاب تصعيد واسع يتجاوز حدود اليمن والبحر الأحمر ليطال الأمن القومي الإسرائيلي بشكل مباشر؟
خلفية الصراع
منذ بداية حرب غزة في أكتوبر 2023، برز الحوثيون كطرف رئيسي في “محور المقاومة” عبر استهداف إسرائيل بالصواريخ والمسيّرات، إضافة إلى ضرب الملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب. ومع أن إسرائيل نجحت في صد معظم الهجمات المباشرة عبر منظومات الدفاع الجوي، فإن كلفة هذا الاستنزاف باتت ثقيلة، خصوصًا في حماية ميناء إيلات وخطوط الملاحة الحيوية.
جاءت الضربة الأخيرة على صنعاء كرسالة إسرائيلية مزدوجة: القدرة الاستخبارية على اختراق الدائرة القيادية، والإرادة العملياتية لتوسيع المعركة إلى العمق اليمني.
الدلالات السياسية للاغتيال
1. ضربة معنوية للحوثيين: مقتل رئيس الحكومة وعدد من الوزراء يشكل ضربة في الرمزية السياسية أكثر من التأثير العسكري، لكنه يضعف صورة “الحصانة” التي حاولت صنعاء ترسيخها داخليًا.
2. تكتيك إسرائيلي جديد: الانتقال من مواجهة الصواريخ والمسيّرات إلى استهداف القيادة السياسية والعسكرية يعكس نية إسرائيل تصدير المعركة إلى عمق خصومها.
3. رسالة إقليمية: الضربة تحمل أيضًا رسالة ردع إلى طهران وحلفائها بأن تل أبيب قادرة على توسيع نطاق المواجهة دون تردد.
التداعيات المتوقعة
على المستوى اليمني
تصعيد محسوب: الحوثيون سيعملون على الرد بعمليات نوعية لإثبات أن قدراتهم لم تتأثر، عبر تكثيف الضربات باتجاه إيلات وتعزيز تهديد الملاحة.
توظيف داخلي: ستُستثمر عملية الاغتيال لتعزيز خطاب “المظلومية” وحشد الشارع اليمني خلف خيار المواجهة.
على المستوى الإسرائيلي
زيادة العبء الأمني: إسرائيل ستواجه ضغطًا أكبر على منظومات الدفاع الجوي والبحرية.
خطر فتح جبهة استنزاف طويلة: استمرار ضرب الملاحة قد يضر بمكانة إسرائيل الاقتصادية والاستراتيجية.
إغراء توسيع العمليات: نجاح الاغتيال قد يدفع إسرائيل لمحاولة اصطياد قيادات حوثية أخرى، ما يرفع احتمالية دورة جديدة من التصعيد.
على المستوى الإقليمي والدولي
تهديد طرق التجارة: أي تصعيد في البحر الأحمر سيؤدي إلى ارتفاع كلفة التأمين البحري وتحويل مسارات السفن، ما ينعكس على التجارة العالمية.
ارتباك الوساطات: الجهود الإقليمية لاحتواء الأزمة اليمنية قد تتعثر مع انزلاق الحوثيين أكثر في الصراع مع إسرائيل.
ضغط على واشنطن: الولايات المتحدة ستجد نفسها مضطرة لزيادة حضورها البحري لطمأنة الحلفاء وحماية خطوط الملاحة.
السيناريوهات المحتملة
1. تصعيد واسع ومباشر: عبر هجوم كبير يعلن الحوثيون من خلاله “معركة الرد على الاغتيال”.
2. تصعيد تدريجي: موجات متتالية من الضربات البحرية والجوية تستنزف إسرائيل على المدى الطويل.
3. احتواء محدود: في حال ضغطت أطراف إقليمية (مثل عُمان أو إيران) باتجاه تجنّب التصعيد الكبير حفاظًا على التوازنات.
اغتيال أحمد غالب الرهوي لا يُقرأ كحادث منفصل، بل كمحطة فارقة في مسار الصراع. إسرائيل تسعى لنقل المواجهة إلى قلب صنعاء، فيما يحاول الحوثيون تحويل الخسارة إلى دافع لتوسيع نطاق حرب الاستنزاف. المشهد الإقليمي مفتوح على احتمالات خطيرة، أبرزها انزلاق البحر الأحمر إلى ساحة حرب معلنة، لتصبح إيلات وخطوط التجارة الدولية في عين العاصفة.
بعبارة أخرى: المنطقة تدخل مرحلة جديدة عنوانها “كسر العظم” بين إسرائيل والحوثيين، حيث لا مكان للتهدئة إلا إذا فُرضت عبر تفاهمات إقليمية أوسع.