تجري في محافظة السويداء السورية حالياً مباحثات رفيعة المستوى تحت رعاية دولة عربية خليجية، تهدف إلى إعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة التي شهدت تصاعداً ملحوظاً في حدة الصراع خلال الأسابيع الماضية. وتحظى هذه المفاوضات بأهمية خاصة في ظل التوترات المتزايدة بين الفصائل الدرزية والعشائر البدوية، التي أسفرت عن خسائر بشرية كبيرة تجاوزت المئة وستين قتيلاً، وفق بيانات المرصد السوري لحقوق الإنسان.
يركز الوفد المفاوض، الذي يمثل أهالي السويداء، على ضرورة محاسبة الأطراف التي يُعتقد أنها تسببت في تفاقم النزاع، سواء من الأجهزة الأمنية المحلية أو الفصائل العسكرية ذات الانتماء الدرزي التي يُتهم بعضها بالتنسيق مع الإدارة السورية الرسمية، وخلافها مع الرئاسة الروحية للطائفة الموحدية الدرزية. وقد تسلم مجلس السويداء العسكري، الذي يضم فصائل محلية عدة، قيادة العمليات العسكرية في مواجهة القوات التابعة لوزارة الدفاع السورية، ما يعكس عمق الأزمة وتعقيد المشهد الأمني في المنطقة.
من الناحية التحليلية، تعكس هذه المواجهات تعدد الأبعاد الداخلية للنزاع السوري، حيث تتداخل القضايا الطائفية والقبلية مع المصالح السياسية والإقليمية. وتُعتبر السويداء، ذات التركيبة الاجتماعية الخاصة، بمثابة مرآة لمخاطر تفكك النسيج الاجتماعي في مناطق متعددة من سوريا، خصوصاً مع تدخل فصائل مسلحة متعددة تنتمي إلى أطراف مختلفة في الصراع.
تأتي الرعاية الخليجية لهذه المفاوضات في إطار محاولات إقليمية لاحتواء النزاعات المحلية ومنعها من التوسع، خاصة أن استمرار التوتر في السويداء قد ينعكس على استقرار الجنوب السوري بشكل عام، ويؤثر على الديناميات السياسية في البلاد. كما يعكس هذا الدعم رغبة في تعزيز دور الحلول السياسية وتقليل الاعتماد على الحلول العسكرية التي غالباً ما تؤدي إلى مزيد من التدمير والاقتتال الداخلي.
ومع ذلك، تواجه هذه المفاوضات تحديات كبيرة، أبرزها الثقة المفقودة بين الأطراف المتنازعة، فضلاً عن وجود مصالح متباينة تبرز بشكل واضح في الساحة السورية المعقدة. كما أن استمرار تدخل الفصائل التابعة للحكومة السورية في مواجهة الفصائل المحلية يزيد من تعقيد المشهد، ويهدد بإطالة أمد الأزمة.
يؤكد محللون أن نجاح هذه المفاوضات يتطلب تحركاً شاملاً يشمل إعادة بناء الثقة بين المجتمعات المحلية، وضمان احترام حقوق جميع الأطراف، بالإضافة إلى دعم دولي وإقليمي متوازن لا يفرض أجندات خارجية تضر بمصلحة أهالي السويداء.
ختاماً، تبقى محافظة السويداء على خط المواجهة بين مصالح متعددة، وتحتاج إلى جهود مستمرة ومتضافرة لضمان استقرارها، في ظل هشاشة الأوضاع السياسية والعسكرية في سوريا، حيث يمكن أن يكون لتلك المفاوضات دور حاسم في إعادة الأمن والطمأنينة لسكانها، أو أن تظل نقطة اشتعال جديدة تضاف إلى سجل الصراع المستمر.