إطلالة خاطفة على بيوت الأدباء حول العالم تكشف الكثير من الفوارق بين واقع الأدباء العرب ورفاهية كتّاب الغرب. يكاد أكثر الكتاب العرب يقضون حياتهم في صراع مستمر مع الفقر والتهميش، وأحيانًا في بيوت مستأجرة أو زوايا ضيقة في الأحياء العشوائية، ليعيشوا في ظروف من التحديات والديون المتراكمة، بعيدًا عن أي حلم بتحويل بيوتهم إلى متاحف بعد رحيلهم، كما يحدث في أماكن أخرى من العالم. فهل هناك أمل لهذه الأرواح المبدعة في أن يلتفت إليها التاريخ يومًا؟
غالبًا ما تتعالى الأصوات في الغرب حول “جماليات المكان”، كما قال غاستون باشلار في كتابه “جماليات المكان”، مشيرًا إلى أن “البيت ليس مجرد فضاء، إنه حالة روحية”. ففي غياب هذا الفضاء، حيث لا توجد غرفة خاصة للكاتب، تضيع الروحانيات والطقوس الإبداعية التي تنبع من الإحساس بالانتماء إلى مكان، كما كانت تفعل إيزابيل ألّيندي بتلك الزهور التي تضعها فوق طاولة الكتابة. لكن لا يمكن للكاتب العربي أن يحقق هذا الانسجام الروحي، فمعظمهم يكتب في ظروف بعيدة عن هذه الرومانسية، حيث لا موسيقى فاغنر، ولا أجواء هادئة تحيط بهم. يكتب البعض على طاولات المطبخ، حيث يتسلل صوت عربة القمامة عند منتصف الليل ليمزج بين الواقع المرير وفكر الكاتب في تلك اللحظات.
تتوالى صور الكتاب العرب الذين لم يجدوا مكانًا يليق بهم في الحياة، فالشاعر نزار قباني على سبيل المثال، سيبيع بيته الدمشقي الذي وُلد فيه، ليصبح ملكًا لأثرياء لا يهتمون بتراثه. والروائي طه حسين، الذي صوّر حياته وكفاحه في مقاعد الدراسة، سيجد بيته في القاهرة مهدّمًا، حتى قبره سيختفي وسط زحام الوقت والنسيان. أما بيت الشاعر اللبناني الأخطل الصغير، فقد تحول إلى مرأب للسيارات، كأن التاريخ لا يعني شيئًا.
لكن، في الجانب الآخر من العالم، نجد بيوتًا تحولت إلى متاحف، تحرسها ذاكرة الزمن. كتب جان كوكتو ورساماته لا تزال ماثلة على جدران بيته الباريسي، وبيوت لورانس داريل، ووليم فوكنر، وأرنست همنغواي، تحمل قصصًا وأسرارًا شاهدة على حياة مبدعين عظماء، كانت بيوتهم ملاذًا للكتابة والإبداع. هذه البيوت تعكس رفاهية لم يعرفها الكتاب العرب في معظمهم، الذين مازالوا يكتبون في ظروف أقرب إلى العراء، بلا حماية حقيقية لما تركوه وراءهم.
وفي نهاية المطاف، يبقى السؤال مفتوحًا: ماذا لو كانت هذه البيوت تخص الأدباء العرب؟ هل ستكون هناك أماكن تحترم تاريخهم وتبقى شاهدة على إبداعاتهم؟ أم سيظل الواقع العربي هو غرفة ضيقة، مليئة بالثقوب، يتوسطها قلم مكسور وحلم بعيد؟
فريق التحرير